السبت 19 شوّال 1445 هـ

تاريخ النشر : 26-03-2020

نصائح وتوجيهات مهمة لطلاب العلم

الجواب
الجواب على الملاحظة الأولى: لاشك أن هذه الصحوة صاحبها ولله الحمد حب اتباع السنة والحرص عليها، ولكن كما ذكرت صار ينتهج هذا المنهج قوم لم يبلغوا ما بلغ أهل العلم من قبلهم في التحري والدقة، وربط الشريعة بعضها ببعض، وتقييد مطلقها، وتخصيص عامها، والرجوع إلى القواعد العامة المعروفة في الشريعة، فصاروا يلتقطون من كل وجه حتى من الأحاديث الضعيفة التي لا يعمل بها عند أهل العلم لشذوذها ومخالفتها لما في الكتب المعتمدة بين الأمة.
تجدهم يتلقفونها ويحتدون فيها، وفي العمل بها وفي الإنكار على من خالفها، وكذلك أيضًا تجدهم قد بلغ ببعضهم العجب إلى أن صاروا يعترضون على الصحيحين أو أحدهما من الناحية الحديثية، ويعترضون على الأئمة من الناحية الفقهية، الأئمة الذين أجمعت الأمة على إمامتهم وحسن نيتهم وعلمهم، فتجد هؤلاء الذين لم يبلغوا ما بلغه من سبقهم يتعرضون لهؤلاء الأئمة، ويحطون من قدرهم، وهذه وصمة عظيمة لهذه الصحوة، والواجب على الإنسان أن يتريث، وأن يتعقل وأن يعرف لذوي الحق حقهم ولذوي الفضل فضلهم، وإنما يعرف الفضل من الناس أهله، نسأل الله لنا ولهم الهداية والتوفيق.
وأما الجواب على الملاحظة الثانية فنقول: هذا أيضًا من البلاء، ولعل في جوابي السابق ما يدل عليه؛ لأن مذهب الظاهرية كما هو معروف مذهب يأخذ بالظاهر ولا يرجع إلى القواعد العامة النافعة، ولو أننا ذهبنا نتتبع من أقوالهم ما يتبين به فساد منهجهم، أو بعض منهجهم لوجدنا الكثير، ولكننا لا نحب أن نتتبع عورة الناس.
والجواب على الملاحظة الثالثة: فلا شك أن الأولى بطالب العلم أن يبدأ أولاً بكتاب الله -عزّ وجلّ- فإن الصحابة -رضي الله عنهم- كانوا لا يتعلمون عشر آيات حتى يتعلموها وما فيها من العلم والعمل، ثم بالسنة النبوية، ولا يقتصرون على معرفة الأسانيد والرجال والعلل إنما يحصرون على مسألة فقه هذه السنة؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: «رب مبلغ أوعى من سامع». ويقول «رب حامل فقه ليس بفقيه». والناس الآن في ضرورة إلى معرفة الأسانيد وصحتها، وفي ضرورة أيضًا إلى الفقه في هذه السنن الواردة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وتطبيقها على القواعد وأصول الشريعة حتى لا يضل الإنسان ويضل غيره.
الجواب على الملاحظة الرابعة: يجب أن يعلم الإنسان المفتي، أنه سفير بين الله وبين خلقه، ووارث لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فلابد أن يكون عنده علم راسخ يستطيع به أن يفتي عباد الله، ولا يجوز للإنسان أن يتصدر للفتوى والتدريس وليس معه علم؛ لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أخبر: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالمًا، اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فالسؤال: سئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا». والحمد لله، الإنسان الذي يريد الخير ويتأنى حتى يدركه وينشره، إن فسح له الأجل حتى أدرك ما أراد فهذا هو مطلوبه، وإن لم يفسح له في الأجل وقف الله عليه الموت، فإنه كالذي يخرج من بيته مهاجرًا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله.
وكم من إنسان تعجل في التدريس والفتيا فندم، لأنه تبين له أن ما كان يقرره في تدريسه أو يفتي به في فتواه كان خطأ، والكلمة إذا خرجت من فم صاحبها ملكته، وإذا كانت عنده ملكها.
فليحذر الإخوة الذين هم في ريعان طلب العلم من التعجل، وليتأنوا حتى تكون فتواهم مبنية على أسس سليمة، وليس العلم كالمال يتطلب الإنسان فيه الزبائن ليدرك من يشتري منه، بل العلم إرث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فيجب على الإنسان أن يكون مستشعرًا حين الفتوى شيئين:
الأول: أنه يقول عن الله -عزّ وجلّ- وعن شريعة الله.
الثاني: أنه يقول عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن العلماء ورثة الأنبياء.
المصدر:
مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين(26/254)

هل انتفعت بهذه الإجابة؟