الأربعاء 23 شوّال 1445 هـ

تاريخ النشر : 25-03-2020

من صور ربا الجاهلية

الجواب
هذا العمل ليس بجائز بل هو ربا إلا أنه رباً مُغَلف بالخيانة والخداع لمن ؟! لله رب العالمين الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور وهذا هو الربا الذي كان يفعلونه في الجاهلية إذا حلَّ الدَّين قال صاحب الحق للمدين إما أن توفي وإما أن تربي، فإذا أربا وحل مرة ثانية أربا عليه مرة ثانية وثالثة وهكذا وهذا هو المشار إليه في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾[آل عمران: 130-132]، فهذا عمل خبيث لأنه جامع بين الربا والخداع فهو بمنزلة فعل المنافق الذي يظهر الإسلام ويبطن الكفر هذا أظهر أن معاملته معاملة سليمة أنها بيع وشراء في قطم هذا الهيل وهي في الحقيقة عين الربا إلا أنه متحيل عليه والمتحيل على محارم الله أعظم جرماً ممن يفعلها على وجه صريح لأنه يجمع بين مفسدة هذا المحرم وبين مفسدة الخداع لله سبحانه وتعالى وهذا من الاستهزاء بالله والتحدي له ولهذا قال أيوب السختياني رحمه الله قال في هؤلاء المتحيلين يُخادعون الله كما يخادعون الصبيان لو أتوا الأمر على وجهه لكان أهون وهؤلاء المخادعون على الربا في مثل هذه الصورة التي ذكرها الأخ أو في غيرها من الصور لا يمكن أن ينزعوا عما هم عليه لأنهم يعتقدون أن ما هم عليه سليم والمعتقد بأن ما هو عليه سليم لا يمكن أن ينزع عنه فهم يقولون كما يقول المنافقون إذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون فلا يكادون ينزعون عن فعلهم أما الذي يأتي الربا صريحاً فإنه يعرف أنه ارتكب محرماً وتجده دائماً هذا الفعل بين عينيه تجده خجلاً من الله عز وجل يتذكر ذنبه كل ساعة ويمكن أن يحدث توبة أما المتحيل فهو على العكس وهذه مفسدة عظيمة تحصل لمن يرتكبون محارم الله بالحيل وهذه المسألة يظن بعض طلبة العلم أنها مسألة التورق التي اختلف فيها أهل العلم وأباحها الفقهاء في المشهور من مذهب الإمام أحمد وإن كان شيخ الإسلام ابن تيمية يحرمها ويجزم بتحريمها ويُراجع في ذلك ولكنه يأبى إلا أنها حرام أعنى مسألة التورق لكن هذه المسالة ليست كمسألة التورق ولا يمكن أن تقاس عليها لأنها رباً صريح ومسألة التورق هي كما قال الفقهاء في تصويرها أن يحتاج رجل إلى دارهم فيشتري سلعة من شخص تساوي مائة بمائة وعشرين مثلاً إلى أجل ثم يأخذها ويتصرف فيها ويقضي حاجته بقيمتها أما هؤلاء فإنهم قد اتفقوا صراحة على المراباة قبل أن يحدث هذا العقد الصوري الذي ليس بمقصود وبينهما فرق ولهذا لما ذكر شيخ الإسلام مسألة التورق ذكر فيها قولين عن أهل العلم ولكنه لما ذكر هذه الصورة أن يتفق شخص مع آخر على أن يعطيه دراهم العشرة بثلاثة عشر أو أحد عشر أو ما أشبه ذلك قال إن هذه من الربا بلا ريب ولم يحكِ فيها خلافاً فدل هذا على الفرق بين المسألتين وما ذكره الأخ هو أعظم مما قلت أيضاً لأنه صريح أنه يرغم هذا المعسر على الربا مع أن الله يقول: ﴿وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ﴾[البقرة: 280] فأوجب الله تعالى إنذار المعسر أما هذا فإنه عصى الله فلم ينظره ولم يرحم هذا الفقير بل زاد عليه الدين وعلى كل حال فنصيحتي لإخواني التجار أن يقلعوا عن هذه المعاملة إلى ما أباح الله لهم من أنواع التجارات من المضاربات والمشاركات وغيرها حتى يخرجوا من الدنيا بسلام لا يحملوا أنفسهم نار هذه الدراهم وغرمها ويكون لغيرهم ثمارها وغنمها.
المصدر:
الشيخ ابن عثيمين من فتاوى نور على الدرب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟