الأربعاء 23 شوّال 1445 هـ

تاريخ النشر : 24-03-2020

مشاهدة المنكرات والتحسر على عدم القدرة على إنكارها

الجواب
وهذا مثل ما تقدم؛ لأن مشاهدة صاحب الغيرة، وصاحب العلم لمنكرات كثيرة، وقلة المنكرين لها وفشُوِّها في غالب المجتمعات لا شك أنه يؤلم المؤمن، ولا شك أنه يجد منه عصرة في قلبه، وحسرة في قلبه؛ لكونه يعجز عن إنكار هذا المنكر، والقضاء عليه، فيتألم لذلك، حتى بلغنا عن بعض السلف أنه إذا رأى المنكر يبول دمًا، من شدة ما يقع في قلبه من التألم، فالحاصل أن أصحاب الغيرة وأصحاب العلم والفضل، يتألمون كثيرًا مما يشاهدونه من المنكرات، وهم عاجزون عن إنكارها والقضاء عليها، ويفرحون إذا وجد من ينكرها ويستطيع الدعوة إلى تركها، هذا لا شك أن يبشر بخير، ولكن نبشرهم أنهم على خير، وأنه ينبغي لهم ألاَّ ييأسوا وألاَّ يقنطوا، وأن يستمروا في إنكار المنكر حسب طاقتهم، وأنه لا يكفي مجرد التألم، بل لا بد مع التألم من إنكار المنكر، بالطرق التي شرعها الله باليد عند القدرة ثم اللسان عند القدرة، ثم القلب لكراهة المنكر، وعدم المجالسة لأهله، هكذا يكون المؤمن أينما كان، ولا ييأس أبدًا، فالله سبحانه يقول: ﴿وَلاَ تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾[يوسف: 87],فالواجب على المؤمن والمؤمنة وطالب العلم وطالبة العلم، أن يبذل كل منهم ما استطاع في هذا السبيل، وألاَّ ييأس بل يكون أينما كان آمرًا بالمعروف وناهيًا عن المنكر داعيًا إلى الله -عزّ وجلّ-، مرشدًا لعباد الله مما أعطاه الله، مما علمه الله ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾[التغابن: 16]، ولو هدى الله على يده واحدًا كان خيرًا عظيمًا، ولو هدى الله على يدها امرأة واحدة كان خيرًا عظيمًا، فقد ثبت عن رسول الله -عليه الصلاة والسلام-، أنه قال لعلي بن أبي طالب أمير المؤمنين، -رضي الله عنه - لما بعثه إلى خيبر، ليدعو اليهود سكان خيبر، ذلك الوقت إلى الإسلام، قال له -صلى الله عليه وسلم-: «فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا، خير لك من حمر النعم» يبين له أنه ليس المقصود قتالهم، وليس المقصود أخذ أموالهم، وليس المقصود سبي ذرياتهم ونسائهم، لا، المقصود دعوتهم إلى الله، المقصود إخراجهم من الظلمات إلى النور، المقصود هدايتهم حتى يدخلوا في الإسلام، وحتى يسلموا من النار، ولهذا يقول سبحانه: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾[إبراهيم: 1]، ما أنزل ليحرقهم أو ليقتلهم، أنزل ليخرجهم ويدلهم على الخير، هذا هو المطلوب من الدعوة، وهو المطلوب من الرسل، لكن عند المعاندة وعند عدم الإجابة من المدعوين، ينتقل حينئذ المسلمون معهم إلى الأمر الآخر، إلى القتال حتى يردوهم إلى الحق بالقوة، وحتى يخلصوا ذرياتهم ونساءهم من هذا الإثم، حتى يدخلوهم في الإسلام، وحتى يستعينوا بأموالهم وما أعطاهم الله على دين الله، وإقامته وعلى دعوة الآخرين إلى الله -عزّ وجلّ-، فالقتال ليس المقصود بالقصد الأول، إنما هو المقصود بالقصد الثاني، فإذا تيسر دعاؤهم إلى الخير، وهدايتهم وإقبالهم على الحق وقبولهم له هذا هو المطلوب، فإذا عاندوا وكابروا، شرع قتالهم حينئذٍ، حتى يدخلوا في الإسلام، أو يؤدوا الجزية إن كانوا من أهل الكتاب، ومن المجوس كما جاءت به السنة، ودلَّ عليه الكتاب العظيم، فالمقصود من هذا كله أن الدعوة إلى الله هي الأساس الأول، وأن الصبر عليها من أهم المهمات، وأن الشخص الواحد إذا هداه الله على يد إنسان، خير له من الدنيا وما عليها، وأن له مثل أجره، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: «من دل على خير فله مثل أجر فاعله» هذه غنيمة عظيمة، تجعل الداعي إلى الله، وتجعل المجاهدين، يشمرون عن ساعد الجد، ويصبرون على الأذى، حتى يدركوا هذا المطلب العظيم.
المصدر:
الشيخ ابن باز من فتاوى نور على الدرب(18/460)

هل انتفعت بهذه الإجابة؟