الأحد 20 شوّال 1445 هـ

تاريخ النشر : 24-03-2020

كيف يطلب العلم في مختلف العلوم الشرعية؟

الجواب
العلوم الشرعية على أصناف منها:
1- علم التفسير: فينبغي لطالب العلم أن يقرن التفسير بحفظ كتاب الله -عزّ وجلّ- اقتداء بالصحابة -رضي الله عنهم- أجمعين- حيث لا يتجاوزون عشر آيات حتى يتعلموها وما فيها من العلم والعمل، ولأجل أن يرتبط معنى القرآن الكريم بحفظ ألفاظه فيكون الإنسان ممن تلاه حق تلاوته لاسيما إذا طبقه.
2- علم السنة: فيبدأ بما هو أصح، وأصح ما في السنة ما اتفق عليه البخاري ومسلم.
لكن طلب السنة ينقسم إلى قسمين:
قسم يريد الإنسان معرفة الأحكام الشرعية سواء في علم العقائد والتوحيد، أو في علم الأحكام العملية، وهذا ينبغي أن يركز على الكتب المؤلفة في هذا فيحفظها، كبلوغ المرام، وعمدة الأحكام، وكتاب الشيخ محمد بن عبد الوهاب كتاب التوحيد، وما أشبه ذلك وتبقى الأمهات للمراجعة والقراءة، فهناك حفظ وهناك قراءة يقرأ الأمهات ويكثر من النظر فيها؛ لأن في ذلك فائدتين:
الأولي: الرجوع إلى الأصول.
الثانية: تكرار أسماء الرجال على ذهنه، فإنه إذا تكررت أسماء الرجال لا يكاد يمر به رجل مثلاً من رجال البخاري في سند كان، إلا عرف إنه من رجال البخاري، فيستفيد هذه الفائدة الحديثية.
3- علم العقائد: كتبه كثيرة وأرى أن قراءتها في هذا الوقت يستغرق وقتًا كثيرًا، والفائدة موجودة في الزبد التي كتبها مثل شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- والعلامة ابن القيم -رحمه الله-، وعلماء نجد مثل شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- ومن بعده من العلماء.
4- علم الفقه: ولاشك أن الإنسان ينبغي له أن يركز على مذهب معين يحفظه ويحفظ أصوله وقواعده، لكن لا يعني ذلك أن يلتزم التزاماً تامّاً بما قاله الإمام في هذا المذهب، كما يلتزم بما قاله النبي -صلى الله عليه وسلم-، لكنه يبني الفقه على هذا، ويأخذ من المذاهب الأخرى ما قام الدليل على صحته، كما هي طريقة الأئمة من أتباع المذاهب كشيخ الإسلام ابن تيمية، والنووي وغيرهما هما حتى يكون قد بنى على أصل، لأني أرى أن الذين أخذوا بالحديث دون أن يرجعوا إلى ما كتبه العلماء في الأحكام الشرعية، أرى عندهم شطحات كثيرة، وإن كانوا أقوياء في الحديث وفي فهمه لكن يكون عندهم شطحات كثيرة؛ لأنهم بعيدون عما يتكلم به الفقهاء.
فتجد عندهم من المسائل الغريبة ما تكاد تجزم بأنها مخالفة للإجماع أو يغلب على ظنك أنها مخالفة للإجماع، لهذا ينبغي للإنسان أن يربط فقهه بما كتبه الفقهاء -رحمهم الله- ولا يعني ذلك أن يجعل إمام هذا المذهب كالرسول -عليه الصلاة والسلام- يأخذ بأقواله وأفعاله على وجه الالتزام، بل يستدل بها ويجعل هذا قاعدة، ولا حرج بل يجب إذا رأى القول الصحيح في مذهب آخر أن يرجع إليه، والغالب في مذهب الإمام أحمد -رحمه الله- أنه لا تكاد ترى مذهبًا من المذاهب إلا وهو قول للإمام أحمد رحمه الله، راجع كتب الروايتين في المذهب تجد أن الإمام أحمد -رحمه الله- لا يكاد يكون مذهب من المذاهب إلا وله قول يوافقه، وذلك لأنه -رحمه الله- واسع الاطلاع ورجَّاع للحق أينما كان.
فلذلك أرى أن الإنسان يركز على مذهب من المذاهب التي يختارها، وأحسن المذاهب فيما نعلم من حيث اتباع السنة مذهب الإمام أحمد -رحمه الله- وإن كان غيره قد يكون أقرب إلى السنة من غيره، على إنه كما أشرت قبل قليل، لا تكاد تجد مذهبًا من المذاهب إلا والإمام أحمد يوافقه -رحمه الله-.
وأهم شيء أيضاً في منهج طالب العلم -بعد النظر والقراءة- أن يكون فقيهًا، بمعنى أنه يعرف حكم الشريعة وآثارها ومغزاها، وأن يطبق ما علمه منها تطبيقًا حقيقيًا بقدر ما يستطيع ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾[البقرة: 286]، لكن يحرص على التطبيق بقدر ما يستطيع، وأنا أكرر دائمًا هذه النقطة (التطبيق) سواء في العبادات، أو الأخلاق، أو في المعاملات، طبق حتى يعرف أنك طالب علم عامل بما علمت.
ونضرب مثلاً: إذا مر أحدكم بأخيه هل يشرع له أن يسلم عليه؟
نعم يشرع ولكن أرى الكثير يمر بإخوانه وكأنما مر بعمود لا يسلم عليه، وهذا خطأ عظيم حيث يمكن أن ننقد العامة إذا فعلوا مثل هذا الفعل، فكيف لا ينتقد الطالب؟ وما الذي يضرك إذا قلت السلام عليكم؟ وكم يأتيك؟ عشر حسنات تساوي الدنيا كلها عشر حسنات.
لو قيل للناس: كل من مر بأخيه وسلم عليه سيدفع له ريال، لوجدت الناس في الأسواق يدورون لكي يسلموا عليه؛ لأنه سيحصل على ريال، لكن عشر حسنات نفرط فيها. والله المستعان. وفائدة أخرى: المحبة والألفة بين الناس، فالمحبة والألفة جاءت نصوص كثيرة بثباتها وتمكينها وترسيخها، والنهي عما يضادها والمسائل التي تضاد كثيرة، كبيع المسلم على بيع أخيه، والخطبة على خطبة المسلم، وما أشبه ذلك، كل هذا دفعًا للعداوة والبغضاء وجلبًا للألفة والمحبة، وفيها أيضا تحقيق الإيمان لقوله -صلى الله عليه وسلم-: «لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا».
ومعلوم أن كل واحد منا يحب أن يصل إلى درجة يتحقق فيها الإيمان له؛ لأن أعمالنا البدنية قليلة وضعيفة.
الصلاة يمضي أكثرها ونحن ندبر شيئًا آخر، الصيام كذلك، الصدقة الله أعلم بها، فأعمالنا وإن فعلناها فهي هزيلة نحتاج إلى تقوية الإيمان، والسلام مما يقوي الإيمان؛ لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أوَ لَا أدلكم على شيءٍ إذا فعلتموه تحاببتم -يعني حصل لكم الإيمان- «أفشوا السلام بينكم» هذه نقطة واحدة مما علمناه ولكننا أخللنا به كثيراً لذلك أقول: أسال الله أن يعينني وإياكم على تطبيق ما علمنا، لأننا نعلم كثيراً ولكن لا نعمل إلا قليلاً، فعليكم يا إخواني بالعلم، وعليكم بالعمل، وعليكم بالتطبيق، فالعلم حجة عليكم، والعلم إذا غذيتموه بالعمل ازداد ﴿وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآَتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ﴾ [محمد: 17]. إذا غذيتموه بالعمل ازددتم نوراً وبرهاناً ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾[الأنفال: 29-30]
والآيات في هذا المعنى كثيرة، فعليكم بالتطبيق في العبادات، وفي الأخلاق، وفي المعاملات حتى تكونوا طلاب علم حقيقة، أسال الله أن يثبتنا وإياكم بالقول الثابت في الحياة الدنيا والآخرة إنه سميع مجيب، والحمد لله رب العالمين.
المصدر:
مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين(26/175)

هل انتفعت بهذه الإجابة؟