السبت 19 شوّال 1445 هـ

تاريخ النشر : 07-09-2023

كيف يتعامل مع جيرانه الذين لا يصلون ؟ وحكم الأكل من طعامهم إذا كانوا يعملون في البنك

الجواب

أَمَّا المسألة الأولى: فإذا كَانَ لهم جارٌ لا يُصلي، فَالوَاجِبُ عليهم نصيحةُ هَذَا الجارِ ومَوعِظَته وتخويفه مِنَ اللهِ -عَزَ وَجَلَّ-، فإنْ امتثل وصار يصلي، فهذا هُوَ المطلوب، وإن لم يمتثل، فإنهم يرفعونه إلى الجهات المختصّة مِنْ أَجْلٍ إلزامِهِ بالصَّلاةِ، وإذا رفعوه إلى الجهات المختصة فَقَدْ بَرئتْ بذَلِكَ ذِمَمُهُم.

ولْيُعْلَمُ أن الإِنْسَانَ إذا أدَّى الواجبَ عَلَيْهِ في النصيحةِ فَقَدْ بَرِئَت ذِمَّتُه؛ لقولِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: ﴿وَلَيْسَ عَلَيْكَ هُدَهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ [البقرة:۲۷۲]، ويقول -عَزَّ وَجَلَّ-: ﴿فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ﴾ [الرعد: ٤٠]، ويقول لنبيه: ﴿فَذَكَّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرِ * إِلَّا مَن تَوَلَّى وَكَفَرَ * فَيُعَذِّبُهُ اللهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ﴾ [الغاشية: ٢١-٢٤].

ولقد حاولَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلى آلِهِ وَسَلَّمَ- مع عمه أبي طالبٍ أَنْ يُسْلِمَ، ولكنه أبى، وخُتِمَ له بالشِّرك -وَالعِيَاذُ بِاللهِ- فَإِنَّه لما حضرته الوفاةُ كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يقول له: (يَا عَمٌ، قُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، كَلِمَةً أَشْهَدُ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللهِ، وَكَانَ عنده رَجلانِ مِن قُريش، فكُلَّما همَّ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ، قالا له: يَا أَبَا طَالِبٍ، أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؟ وهي مِلَّةُ الشرك، فكان آخر ما قال: إنه عَلَى مِلَّةِ عبد المطَّلِب، وأبى أَنْ يَقُولَ: لَا إله إلا الله، فحزن النبي -صلى الله عليه وسلم- لذلك وقال: (أَمَا وَاللهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أَنْهَ عَنْكَ) فأنزل اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ﴾ [القصص: ٥٦] ونهاه أنْ يستغفر له، وقال: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِي وَالَّذِينَ آمَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أَوْلِي قُرْنَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَبُ الْجَحِيمِ﴾ [التوبة:۱۱۳]، وأجاب الله تعالى عن استغفار إبراهيمَ لأبيه الَّذِي كَانَ مُشْرِكًا، فقال: ﴿وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَن مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ﴾ [التوبة: ١١٤] حيث قال: ﴿سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بي حَفِيَّا﴾ [مريم: ٤٧] قال الله تعالى: ﴿فَلَمَّا تبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّهُ حَلِيمٌ﴾ [التوبة : ١١٤].

فأنت -يا أخي- إذا بذلت النصيحة، وقُمتَ بواجب النصيحة، فمَنِ اهتدى فلنفسه، ومَن ضَلَّ فإنها يَضِلَّ عليها.

أما بالنسبة لآكل الربا الَّذِي ماله مِن الرّبا، أو أكثر ماله من الربا، أو أكثر ماله مِن الرُّشَى، أو أكثر ماله من السَّرِقات، فَهَلْ تأكل من ماله؟

الجواب: التنزه عنه أولى بلا شكّ، لكن لك أن تأكل من مالِهِ إِلَّا ما حرم لِعَيْنِهِ؛ فإنَّه لَا يَحِلُّ لك أن تأكل منه، ولكن إذا كَانَ فِي هَجْرِه، وعدم إجابة دعوته مصلحة، بحيث يرتدع، فإِنَّ هَجْرَهُ واجب، وعدم إجابته واجبٌ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَهْدِيَهُ اللهُ ويرتدع.

وهذه قاعدة في جميع أهل المعاصي، أن الهجر دواء، فإن كَانَ مفيدًا استعملناه، وَإِنْ كَانَ غير مفيد لم نَستعمله؛ لأن صاحب المعصية مهما عظمت إذا كانت دون الكفرِ فَهُوَ مُؤْمِن، والمؤمِن لَا يَحِلُّ هَجْرُه، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَا يَحِلُّ لمسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ، يَلْتَقِيَانِ، فَيُعْرِضُ هَذَا، وَيُعْرِضُ هَذَا، وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بالسَّلَامِ).

فإذا وجدنا عاصيًا، ورأينا في هجره مصلحة، بحيث يَخْجَل ويَرْتَدِع عن معصيته هَجَرناه، وإلا فلا.

المصدر:

[دروس وفتاوى من الحرمين الشريفين للشيخ ابن عثيمين (13/30-32)].


هل انتفعت بهذه الإجابة؟