الجواب
فقبل أن أجيب على هذا السؤال أود أن أوجه نصيحتين:
إحداهما للزوج والثانية للسائلة الزوجة.
أما نصيحتي للزوج فإني أنصح الزوج هذا وجميع إخواننا المتزوجين أنصحهم بأن يضبطوا أعصابهم عند الغضب وأن يتريثوا في أمور الطلاق ولا يتعجلوا فإن الطلاق الأصل فيه الكراهة إلا إذا دعت الحاجة إليه ولهذا أمر الله -عز وجل- أن تطلق النساء للعدة فلا يطلقها الإنسان وهي حائض ولا يطلقها في طهر جامعها فيه إلا أن تكون حاملاً فإن الحامل يصح طلاقها بكل حال كل هذا من أجل التريث وعدم التسرع في الطلاق وجعل للمرأة ثلاث حيض تعتد فيها لعل زوجها يراجعها في هذه المدة كما قال الله تعالى: ﴿لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً﴾[الطلاق: 1] والتسرع في الطلاق من الحمق والسفه فإن الإنسان إذا طلق زوجته لا يفارق سلعة من السلع يشتري بدلها وإنما يفارق امرأة قد تكون هي أم أولاده أيضًا فيتفرق الأولاد ويتشتت الشمل فعلى الإنسان أن يتريث وأن لا يتسرع وإذا قدر أنه عازم على الطلاق فليطلق بهدوء وليطلق للعدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء فيطلقها إما حاملاً وإما طاهرا لغير جماع.
أما نصيحتي للمرأة السائلة فإني أنصحها وأنصح جميع المتزوجات أن يصبرن على أزواجهن وأن يتحملنّ ما يحدث منهم من مثل هذه الأمور التي قد تؤدي إلى المعاندة لأن المعاندة ربما يحصل بها الفراق فيندم كل من الزوجين على ما فعل.
أما موضوع السؤال الذي يتبين لي أن هذا الرجل طلق زوجته الطلقة الأولى طلقة واضحة ليس فيها إشكال، وأما الثانية والثالثة فهما طلقتان معلقتان على فعل المرأة وقد خالفت فيما علق الطلاق عليه وفي هذه المسألة خلاف بين أهل العلم فمنهم من يقول: إنه يحنث ويقع عليه الطلاق في المرتين كليهما وبناء على ذلك تكون المرأة هذه قد بانت من زوجها؛ لأنه طلقها ثلاث مرات الطلقة الأولى التي ليست معلقة على شيء والطلقتين الأخريين المعلقتين على عدم ذهابها إلى أهلها ولكنها ذهبت وذهب بعض العلماء إلى أن الطلقتين المعلقتين تكونان على حسب نية الزوج، فإن كان قد نوى الطلاق وقع الطلاق بمخالفتها إياه وإن كان قد نوى اليمين حملها على ألا تذهب وتهديدها إن ذهبت بالطلاق، فإنه لا يقع الطلاق وتلزمه كفارة يمين وهذا القول هو الراجح عندي واختيار شيخ الإسلام بن تيميه - رحمه الله -.
وإنما ذكرت القول الأول الذي هو قول جمهور أهل العلم وهو وقوع الطلاق ليتبين للسائل ولغيره ممن يستمع أن الأمر في هذه المسألة خطير وأن الواجب على الإنسان أن لا يقدم على مثل هذا الفعل فإن جمهور أهل العلم يرون أن الزوجة في مثل هذه المسألة حرام على زوجها؛ لأنها طلقت منه ثلاث مرات أقول إنما ذكرت هذا الخلاف حتى يخاف الناس وحتى لا يكثروا من هذا الأمر الذي يمكنهم أن يحلفوا بالله -عز وجل- على زوجاتهم والزوجة يجب عليها إذا نهاها زوجها عن شيء أن توافقه فيما نهاها عنه لأن الله تعالى سمى الزوج سيداً فقال الله تعالى: ﴿وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ﴾[يوسف: 25] يعني زوجها وأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم- أن النساء عوان عند الرجال والعوان جمع عانية وهي الأسيرة فللزوج الحق في أن يمنع زوجته مما يخشى منه العاقبة السيئة وعلى الزوج أيضاً أن يتقي الله -عز وجل- في مراعاة زوجته وأن يعاشرها بالمعروف كما قال الله تعالى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾[النساء: 19] وقال: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾[البقرة: 228].
بناء على القول الراجح عندي في مسألة هذا الرجل فإني أقول له: إن كان نيتك بقولك إن ذهبت لأهلك فأنت طالق إن كان نيتك أنها تطلق إذا ذهبت؛ لأنها بعصيانها إياك تكون غير مرغوبة عندك فإن الطلاق يقع، أما إذا كان نيتك أن تخوفها وأن تحملها على ترك الذهاب فإن حكم هذا حكم اليمين وعليك أن تطعم عشرة مساكين عشر كيلو من الرز ومعهن اللحم الكافي لهن وإن شئت فاصنع الطعام أنت وغدي المساكين أو عشهم.