الأحد 20 شوّال 1445 هـ

تاريخ النشر : 08-09-2023

زوجها لا يصلي وليس لها من يعولها فماذا تفعل؟

الجواب

قال النبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (العَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ الصَّلَاةُ، فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ).

أمَّا الآثارُ الواردةُ عنِ الصَّحابةِ، فقدْ قَالَ أميرُ المؤمنينَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ -رضي الله عنه-: «لَا حَظَّ فِي الإِسْلَامِ لِمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ»، وَ(حَظَّ) أي: نَصِيبٌ، وهُنا الحظُّ مَنفيٌّ بـ (لَا) النافيةِ التِي تَمَنعُ أَيَّ شيءٍ مِن مَنفيِّها.

وعَليهِ فَيَكونُ تَارِكُ الصَّلاةِ لَا حَظَّ لَهُ فِي الإِسلامِ، لَا قَليل ولا كَثِير.

وقال عبدُ الله بن شقيقٍ وهُو منَ التَّابعينَ الثَّقَاتِ: «كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَا يَرَوْنَ شَيْئًا مِنَ الأَعْمَالِ تَرْكُهُ كُفْرٌ إِلَّا الصَّلَاةَ». وَهَذَا حِكايةُ إجماعٍ.

وقد حكى إجماع الصَّحابةِ عَلَى أَنَّ تارِكَ الصَّلاة كافرٌ الإمامُ المشهورُ إِسْحَاقُابنُ رَاهُويَهْ -رَحِمَهُ اللَّهُ-.

وأمَّا النظَرُ والقِياس؛ فَهو كافرٌ؛ لأنهُ يَدَعُ الصَّلاةَ، ولا يُصليهَا، مَع عِلمه بأهَميتِها في الإسلَامِ، وأَنها ثَاني أَركانِه، وأنَّ لها من العِنايةِ حِين فرْضِها وحين أَدَائِهَا مَا لَا يُوجدُ في أي عبادة أُخرى.

فَلا يُمكن أبدًا لأي عَاقل يَرى هذِه المنزلَةَ في الصَّلاة ثُم يَدَعُها، وفي قَلبه شَيءٌ من الإيمانِ.

وليس الإيمانُ مجردَ التَصدِيق بوجودِ اللهِ -عَزَّوَجَلَّ-، أو بِصِحَّةِ رسالة محمد -صلى الله عليه وسلم-، فهذا النوعُ منَ التصديقِ مَوجودٌ حتَّى عندَ الكَفَرَة، فهذَا أبو طَالب كَان يَشْهدُ بذلِك، ولَكنِ الإيمانُ لَا بدَّ أَنْ يَكُونَ مُستلزمًا لِلقَبُولِ والإذعَانِ لقَبُولِ الخبرِ، والإذعانِ للأمر، فإذا لم يكن إذعَانٌ للأمرِ، وَلا قَبولٌ للخَبَرِ، فَلا إيمانَ.

وعلى هَذَا فنقولُ: إِنَّ تارِكَ الصَّلاةِ كافرٌ كُفْرًا أكبرَ مُخْرجًا عنِ الملَّةِ، إذا ماتَ حَرُمَ أَنْ يُغسَّلَ أو يُكفِّنَ، أو يُصلَّى عَليه، أو يُدفنَ في مَقابر المسلمينَ، أو يُدعى له بالرَّحمة؛ لأنه خَالِدٌ مُخَلدٌ في نَارِ جَهنمَ أبدَ الآبدِينَ، نسألُ اللهَ لَنَا ولكمُ السَّلامةَ.

وأمَّا الذِي يُصلي أحيانًا، ويَتركُ أحيانًا، فهذا مَوضِعُ خلافٍ بينَ العُلماء، الذين يَقولونَ: بتكفير تارِكِ الصَّلاةِ، فَمنهُم مَن كَفَرهُ بتَرْكِ فَرضين، ومنهم مَن كَفَّرَه بتركِ فَرْضٍ واحِدٍ، ومِنهُم مَن قَالَ: إذا كانَ لَا يُصلي أَكثرَ الأوقاتِ فَهو كَافِرٌ.

والذِي يَظهرُ لي أنهُ لَا يُكفّر إلا إذَا كَان لَا يُصلي أبدًا، فإِن كَان لَا يُصلي إلا يَومَ الجُمعة، أو لَا يُصلي إلا في رَمضانَ، نَظرتُ: إِنْ كَانَ يَفعل ذلك لعدَم اعتقادِه الوُجوبَ فهوَ كافَرٌ، لَا مِن أَجْلِ تَرْكِ الصَّلاةِ، ولكن مِنْ أَجْلِ إنكَار الوُجوبِ، وإنكارُ الوُجوبِ لَا يُشترط فيه التَّركُ، فَلو أَنَّ رَجُلًا أَنكَرَ وجُوبَ الصَّلاةِ كَان كَافِرًا، وإِن صَلّى.

وبهَذَا يَتبينُ خَطأُ مَنْ قَالَ: إن الأَحاديثَ الوَاردةَ في كُفرِ تاركِ الصَّلاةِ إنما يُرادُ بها مَن تَركها جَحدًا لِوجوبها، فَإن هَذَا قَولٌ ضعيفٌ جدًّا؛ لأننا إذا قُلنا: إن الْمُرَادَ مَن تَرَكها جُحُودًا لوجُوبها، لم يَصحَّ لَا طَرْدًا وَلا عَكْسًا؛ لأنَّ الرَّجُلَ إِذَا جَحدَ وجُوبَها كَفَرَ، وإِن كَانَ يُصلي.

إذن لو أَنَّ رَجُلًا صلَّى، وهُو جَاحِدٌ لوجُوبها لقُلنا: إنهُ كافَرٌ، مَع أنهُ لم يَترُكْها، فأنتمُ الآنَ أَلغيتُمُ الوَصفَ الذِي عَلَّقَ الشارعُ الحُكْمَ به، وهُو التَّركُ، أَمَّا مِن جِهةِ العكس فَلا يَصحُّ؛ لأنَّ تاركَها هُوَ الذِي دلَّ الحديثُ عَلَى كُفْرِه، فإذَا أَلْغَيْنَا هَذَا الوَصفَ فَقَدْ أَلْغَيْنَا وَصفًا اعتبرَه الشارعُ، واعتَبرنَا وصفًا لَمْ يَعتبرْهُ الشارعُ، بَل أَلغَاهُ.

بعضُ الناسِ قَد يَحتجُّ عَلينا بحَدِيثِ عُبادَةَ بنِ الصَّامِتِ -رضي الله عنه-: (خَمْسُ صَلَوَاتٍ افْتَرَضَهُنَّ الله عَلَى عِبَادِهِ مَنْ أَحْسَنَ وُضُوءَهُنَّ وَصَلَّاهُنَّ لِوَقْتِهِنَّ، فَأَتَمَّ رُكُوعَهُنَّ وَسُجُودَهُنَّ وَخُشُوعَهُنَّ، كَانَ لَهُ عِنْدَ الله عَهْدٌ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ، وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ الله عَهْدًا إِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ، وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ).

والجَوابُ عَلَى هَذَا بِعدةِ أُمورٍ:

أولاً:هَذَا الحديثُ لَا يُقابِلُ الأحاديثَ الأُخرى الدَّالَة عَلَى الكُفْرِ؛ مِن حَيثُ الصحةُ، ومعلومٌ أنه عندَ التَّعارُضِ يُقدَّمُ الأَرجحُ والأَقوى.

ثانيًا: هَذَا الحديثُ لَا يَدلُّ عَلى المرادِ؛ لأنَّ الرَّسُولَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (فَأَتَهنَّ وَأَتَمَّ رُكُوعَهُنَّ وَسُجُودَهُنَّ وَوُضُوءَهُنَّ، وَمَنْ لَمْ يَأْتِ بِهِنَّ)
يعني: على وصفِ التَّمامِ (فَلَيْسَ لَهُ عِندَ اللهِ عَهْدُ، إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ)، فَنفيُ الإتيانِ هُنا مُنصَبٌّ عَلَى نَفي الإتيَانِ بهِنَّ عَلَى وجه التَّمامِ؛ لأنَّ هَذَا هُوَ المذكورُ في أَول الحَديثِ، أي: فَمَنْ لم يَأْتِ بهنَّ تَامَّاتٍ، فَليسَ له عندَ الله عهدٌ، أمَّا مَن لم يَأْتِ بهنَّ أبدًا، فَالآيةُ والأحاديثُ والآثارُ التِي ذَكرناهَا وَاضحةٌ في كُفْرِه.

أما قولُ المرأةِ فِي سُؤالَهَا: لَيسَ لها مَن يَعُولها، فَهَذَا مِن ضَعَفِ تَوَكَّلِهَا عَلَى اللَّهِ؛ فإنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَعولُ خَلْقَه، وقَد قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًاﮠ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾ [الطلاق: 2، 3]، وقال تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا﴾ [الطلاق: ٤] فَلتستَعِنْ بالله، ولْتُفَارِقْ هَذَا الزوجَ الذِي لَا يُصلي، وسَوفَ يَجعلُ اللهُ لها فَرَجًا ومَخْرَجًا.

المصدر:

[دروس وفتاوى من الحرمين الشريفين للشيخ ابن عثيمين (13/14-17)].


هل انتفعت بهذه الإجابة؟