الأحد 20 شوّال 1445 هـ

تاريخ النشر : 06-09-2023

حكم من ترك الصلاة كسلا وحكم الصلاة عليه

الجواب

الَّذِي لَا يُصَلِّي يَنقسم إلى قسمين:

القسم الأوّل:لَا يُصَلِّي لأنَّه لا يعترف بفَرضِيَّتها، فهذا كافر من وجهين:

الوجه الأوّل:إنكاره لهذه الفريضة المعلومة بالضرورة مِن دِينِ الإسلام.

والوجه الثاني: أنَّه تَرَكَها.

وعلى هَذَا فالرجلُ الَّذِي هَذِهِ حاله، مُرْتَدٌ خارج عن الإسلام، سواء أُقيم عَلَيْهِ ما يجبُ أَنْ يُقام عَلَيْهِ من الدعوة إلى الرجوع إلى الإسلام أو القتل، أو لم يُقَم، حتَّى لو لم يعلم به ولاة الأمورِ، وبقيَ عَلَى هَذِهِ الحال، فإنَّه كافر مرتدٌّ، لا يجوز أن تبقى معه زوجته إن كَانَ متزوجًا، ولا يجوز أن يتولى عَلَى أَحدٍ مِن أولادِهِ، لَا عَقْدَ نكاح البنت -مثلًا-، ولا الوِلاية عَلَى الصَّغار، ولا يجوز كذلك أَنْ يدخُلَ مَكَّة ولا الحَرَمَ كلَّه؛ لأنَّه من المشركينَ الَّذِينَ قَالَ الله فيهم:﴿إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا﴾ [التوبة: ٢٨].

وإذا مات فإنَّه لَا يُغَسّل، ولا يُكَفَّن، ولا يُصَلَّى عليه، ولا يُدفن في مقابرالمُسْلِمينَ، وإنما يُخْرَجُ به فيُدْفَن في حُفْرَةٍ ليستريحَ النَّاسُ من رائحتِه؛ ولئلَّا يَتَأَذَّىأهله برؤيته.

وهذه المسألةُ عليها إجماعٌ مِن أهلِ العِلمِ؛ أَنَّ مَن ترك الصَّلاةَ جَاحَدًا فَرْضِيَّتَهَافَهُوَ كَافِرٌ.

القسم الثاني: أنْ يتركَ الصَّلاةَ مع إقراره بأنّها فرض، ولكن يتركها تهاونًا أو كَسَلًا، فهذه المسألةُ مَوْضِع خلافٍ بين العُلَماءِ، ولكن الَّذِي تدلُّ عَلَيْهِ الأدلة والذي أعتقده أنَّه يكون كافرًا بالله مرتدًّا عن الإسلام.

ولو قَالَ: إِنَّه يؤمن بِفَرْضِيَّتها.

قلنا: لو كنت تُؤْمِنُ بفرضيَّتها فلماذا لَا تُصلِّي؟

فإذا تركها تهاونًا فَهُوَ كافِرٌ، وقد دلَّ عَلَى ذَلِكَ كتابُ اللهِ وسُنَّةَ رَسُولِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

وحكى بعضُ أهل العِلمِ إجماعَ الصَّحَابَةِ -رضي الله عنهم-.

أمّا القرآنُ، فإن الله يَقُولُ:﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ﴾ [التوبة: 11]، فلا يكون هَؤُلَاءِ إخوةً لنا في الدين إلَّا بالتوبةِ مِنَ الشرك، وإقام الصَّلاةِ، وإيتاء الزَّكَاةِ، فإنْ فُقِدَ وصفٌ من هَذِهِ الأوصاف الثلاثة لم يكونوا إخوةً لنا في الدِّينِ، والأُخُوَّةُ الدِّينيَّة لا تَنتفي إلَّا بالكفر، ولا تنتفي بالكبائر، فالقتل أعظمُ الكبائر في معاملاتِ النَّاسِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَإِن الله يَقُولُ في القصاص:﴿فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [البقرة:۱۷۸]، فلم يجعل القتل عمدًا مخْرِجًا منَ الإسلام، بل أثبتَ الأَخوَّةَ الإيمانيَّة، معَ وجودِ هَذِهِ الكبيرة.

أمّا إيتاء الزَّكَاة فإِنَّه قَدْ دَلَّتِ النُّصوص أنَّ مَن لم يَدفع زكاتَه بُخْلًا وتَهَاوُنًا فإنَّه يُعَذَّب بها، ولكنَّه لا يخرج من الإسلام، وقال النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَالشِّرْكِ وَالكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ) وَهَذَا ثابت، ومَن حَمَل التَّرك هنا عَلَى الجحود فهذا حَمْل يقتضي بطلانَ دَلالةِ الحديث؛ لأنَّ مَن تَرَكَهَا جَحْدًا لِوُجُوبِها فَهُوَ كَافِرُ، ومَن جَحدَ وُجُوبَها فإنَّه كافر، سواء فَعَلَها أو لم يَفْعَلْها، والنَّبِيُّ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- يقول: (مَنْ تَرَكَ) فدلّ هَذَا عَلَى أَنَّ مَناطَ الحُكْم بالكُفر هُوَ التَّرْكُ، لَا الجَحْدُ؛ لأنَّ الجاحِدَ ولو صَلَّى لو قَالَ: أنا أُصَلِّي الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، ولكني أعتقِد أَنَّهَا لَيْسَتْ بواجبة، قُلْنَا له: أنت كافِرٌ ولو صَلَّيْتَ، والحديث يقول: (مَنْ ترَكَهَا) ولم يقُل: مَن جَحَدَها.

فتبين بهذا أن تارك الصَّلاة تهاوُنًا كافرٌ، لا تجوز أن تَبقَى معه زوجته، ولا يَحِلُّ لأحدٍ أَنْ يُزَوِّجَهُ ابنته، ولا تثبت له ولايةٌ عَلَى أولاده، ولا يجوز أَنْ يُدعَى له بالرحمة، بل إذا مات وهو على تركِ الصَّلاةِ، فإِنَّه لا يجوز أَنْ يُقَالَ: غَفَرَ اللهُ له؛ لأنَّ الله يَقُولُ:﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾ [التوبة: ١١٣].

المصدر:

[دروس وفتاوى من الحرمين الشريفين للشيخ ابن عثيمين (13/5-7)].


هل انتفعت بهذه الإجابة؟