الأحد 20 شوّال 1445 هـ

تاريخ النشر : 24-03-2020

حكم قول الرجل لزوجته: (أنت طالق ستون طلقة)

الجواب
هذا الطلاق أولاً منكر، لا يجوز أن يقول: ستين طلقة، ولا ثلاث طلقات، ولا أربع ولا عشر، المشروع أن يطلق واحدة، المؤمن، يقول: أنت مطلقة، أو أنت طالق، وألاّ يأتي بأزيد من هذا، أن يقول عشرين أو ثلاثين أو ستين، كل هذا منكر، ولمّا سئل النبي - صلى الله عليه وسلم- أنّ رجلاً طلق بالثلاث، غضب وقال: «أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم؟!» قال ابن عمر: لمّا بلغه أنّ رجلاً طلّق ثلاثا، قال قد عصيت ربك، فيما أمر به من طلاق امرأتك، فلا يجوز للزوج أن يطلّق بالثلاث، أو بالستين أو بالمائة، كل هذا لا يجوز، أمّا الواقع، وهو الذي قلت لها: ستون طالق في عشرة أيام مرتين، هذا ينظر فيه، فإن كان الغضب قد اشتدّ معك، حتى صار عقلك غير مضبوط، قد اختل شعورك، أو قد اشتد معك الغضب جدًّا، حتى لم تملك نفسك بسبب شدة النزاع، والكلام الذي جرى بينكما، هذا على الصحيح لا يقع به طلاق، عند شدة الغضب الذي يغلب عليه عدم قدرته على ضبط نفسه، ومنعه من الطلاق عدم تعقّله فصار الطلاق، فهو شبه المجنون وشبه المعتوه، أو ما يقرب من ذلك، فهذا لا يقع طلاقه، وهكذا لو كان عنده بعض العقل، ولكنه اشتد به الغضب، وصار سبعين في المائة، ثمانين في المائة، أخو المجنون وأخو المعتوه؛ لشدّة الغضب، فهذا لا يقع طلاقه في هذه الأحوال، التي اشتدّ فيها الغضب وغلب عليه الغضب، حتى عجز عن ضبط نفسه وعن ملكها، وعن الإمساك عن الطلاق، وهكذا لو كانت في طهر جامعتها فيه، وليست حاملاً وليست آيسة، بل تحيض أو في نفاس أو في حيض، فإن هذا الطلاق لا يقع، إذا كان في حال حيض أو نفاس، أو طهر جامعتها فيه، وليست حاملاً، وهي من يحيض فإن الطلاق لا يقع في هذه الحال، على الصحيح من أقوال أهل العلم، أمّا إن كانت في طهر لم تجامعها فيه، أو في حال حمل، فإن الطّلقتين واقعتان، إذا كان شعورك معك، والغضب ليس قد بلغ الشدة، التي تمنع من وقوع الطلاق، الغضب عاديّ، فإن الطلاق يقع، ويقع بكل جملة طلقة، الجملة الأولى طلقة، والثانية طلقة على الصحيح؛ لأن الصحيح أنّ الطلاق بالثلاث بلفظ واحد، وهكذا ما في حكمه كالطلاق بالأربع، أو بالعشر، أو بالمائة، الصحيح أنه يقع واحدة؛ لما ثبت عن ابن عباس -رضي الله عنمها- ، قال: «كان الطلاق على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم- ، وعهد الصّديق، وأول خلافة عمر -رضي الله تعالى عنهم- ، طلاق الثلاث واحدة، فقال عمر -رضي الله عنه- : إن الناس قد استعجلوا في أمر قد كانت لهم فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم» خرجه مسلم في الصحيح، وثبت معناه من حديث ابن عباس، في قصة أبي ركانة عند أحمد بسند جيّد، أنه طلقها بالثلاث فردها عليه النبي - صلى الله عليه وسلم- ، وجعلها واحدة، فهذا هو الصواب فيما يقع من قول الرجل: أنتِ طالق بالثلاث، أو بالسّتين أو بالمائة أو بالألف، أو ما أشبه ذلك، هذا حكمه حكم الطلاق، واحدة على الصحيح، فتكون هذه المرأة قد وقع عليها طلقتان، إذا كان شعور المطلق معه، وليس عنده الغضب السابق، بل كان غضبه عاديًّا، فإنه يقع عليها طلقتان، إذا كانت حاملاً أو في طهر لم تجامعها فيه، طلقتان ويبقى لك واحدة، وإذا كنت جامعتها بعد هذا، فإن الجماع بمعنى الرجعة، فتكون في حبالك وفي عصمتك ويبقى لك واحدة، ولك الرجوع إليها ومباشرتها، وإن أشهدت شاهدين على الرجعة، علاوة على الجماع فهذا أحسن؛ لأن بعض أهل العلم، يرى أن الجماع لا يكفي في الرجعة، وبعضهم يراه ولا بد من النية في الرجعة، فإذا أشهدت شاهدين أنك راجعتها، فالمدة قريبة الشهر، بعد جماعك لها وبعد الطلقتين، الشهر قريب ليس في الغالب خروجها من العدة، بل تحتاج إلى أكثر من ذلك، في مرور ثلاث حيض عليها، بعد الطلقة الثانية، فالحاصل أن الرجعة حصلت بالجماع، وبقي لها طلقة، ولك العود إليها والاتصال بها؛ لأنها زوجتك، لكن إن أشهدت شاهدين عدلين على أنك راجعتها حرصًا على اتّباع السنة، فهذا أولى وأفضل؛ لأن الله أمر به سبحانه وتعالى في قوله: ﴿وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ﴾[الطلاق: 2] فهذا اللفظ في هذه الآية الكريمة تعم شهادة الطلاق وشهادة الرّجعة، مع مراعاة ما تقدّم في شأن الطلاق في حال الغضب العادي أو الغضب الشديد الذي أفقدك شعورك أو قارب ذلك، ومع مراعاة أيضًا كونها في طهر جامعتها فيه، أو في حيض أو في نفاس، أما إذا كانت في حال من الأحوال الثلاث، في حيض أو نفاس، أو في طهر جامعتها فيه، وليست حاملاً فإن الطلاق لا يقع علاوة على ما حصل منك من شدة الغضب.
المصدر:
الشيخ ابن باز من فتاوى نور على الدرب(22/119- 113)

هل انتفعت بهذه الإجابة؟