الجمعة 18 شوّال 1445 هـ

تاريخ النشر : 23-03-2020

حكم دفن أكثر من ميت في قبر واحد وهل يتأذى الصالح بصاحب المعاصي؟

الجواب
من المعلوم أن السنة أن يدفن الميت في قبر وحده ولا يجمع الأموات في قبر واحد إلا عند الحاجة مثل أن يكثر الأموات ويصعب دفن كل واحد في قبر كما صنع في شهداء أحد - رضي الله عنهم- وكما يحصل في الحروب التي يهلك فيها طائفة كبيرة في آن واحد وما أشبه ذلك وعلى هذا فالعادة التي ذكرها السائل عندهم يجب أن يبحث فيها بين العلماء الموجودين في البلد حتى يتخذ فيها القرار الموافق للشرع وأما جمعهم في قبر واحد إذا دعت الحاجة إلى ذلك فإنه يقدم الأقرأ للقران والأتقى يقدم إلى القبلة ويكون الثاني وراءه وإذا قدر أن أحد منهم كان صالحاً والأخر كان بالعكس فإن ذلك لا يؤثر على الصالحين؛ لأن أحوال الآخرة لا تقاس بأحوال الدنيا ولهذا الناس يوم القيامة يعرقون أي يصيبهم العرق من الحر فمنهم من يبلغ إلى كعبيه ومنهم من يبلغ إلى ركبتيه ومنهم من يبلغ إلى حقويه ومنهم من يلجمه وهم في مكان واحد ومع ذلك يختلفون هذا الاختلاف بل أبلغ من هذا أن يوم القيامة خمسون ألف سنه وهو على المؤمنين يسير سهل حتى جاء أنه يكون بقدر فريضة أداها المؤمن ومنهم من يكون عليه عسير شاق كما قال تعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ﴾ [الغاشية: 2-3] فأحوال الآخرة لا تقاس بأحوال الدنيا.
وأما قول السائل: كيف يجمع بين هذا إذا كان يتأذى به وكيف نجمع بينه و قوله تعالى: ﴿وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ [الأنعام: 164] فقد علم من جوابي: أنه ليس هناك دليل على أنه يتأذى به؛ لأن أحوال الآخرة تختلف عن أحوال الدنيا لكن هناك إشكال في أمر لم يذكره السائل وهو أن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أخبر أن الميت يعذب ببكاء أهله عليه يعني إذا مات الميت ودفن فإنه يعذب ببكاء أهله عليه وهذا هو الذي قد يشكل الجمع بينه وبين قوله تعالى: ﴿وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ [الأنعام: 164] حيث أن الميت يعذب بفعل غيره. وقد اختلف العلماء في الجمع بين الحديث وبين الآية فمنهم من قال إن هذا في الكافر يعذب وأهله يبكون عليه بفراقه.
ومنهم من قال: أن هذا فيمن أوصى به أي أوصى أهله أن ينوحوا عليه ويبكوا عليه فيعذب؛ لأنه أوصى به.
ومنهم من قال: هذا في حق من رضي به لكون أهله يفعلونه في موتاهم ولم يوص بالنهي عنه.
ومنهم من قال: إن العذاب ليس عذاب عقوبة لكنه عذاب تألم وتأذي واستدل لهذا بقول النبي- صلى الله عليه وسلم- «إن السفر قطعة من العذاب» والمسافر لا يعذب عذاب عقوبة لكنه يعذب عذاب ألم قلبي ويهتم لهذا الشيء أي للسفر وهذا القول هو أرجح الأقوال أي أن الميت يحس بهذا البكاء ويتألم ألماً قلبياً أن يكون أهله وأشفق الناس عليه يتأثرون هذا التأثر ويبكون.
والمراد بالبكاء الذي يعذب عليه الميت أو يعذب به الميت ما سوى البكاء الذي لا يأتي بمقتضى الطبيعة يعني البكاء المتعمد، وأما البكاء الذي يأتي بمقتضى الطبيعة فإن هذا لا يعذب عليه لا الباكي ولا المبكى عليه؛ لأنه بغير اختيار الإنسان.
وأما الاجتماع للعزاء وصنع الطعام واجتماع الناس من أطراف البلد بل ومن القرى المجاورة فهذا كله لا أصل له وليس من عمل السلف الصالح بل قال جرير بن عبد الله البجلي - رضي الله عنه- «كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنع الطعام منالنياحة». ولهذا أوجه نصيحتي إلى إخواننا الذين اعتادوا مثل هذا أن يدعوا هذا الشيء وأن يغلقوا الأبواب ومن أراد أن يعزيهم وجدهم في السوق وجدهم في المسجد و النساء يمكن أن يرخص للنساء القريبات من الميت أن يحضرن إلى أهل الميت ويحصل العزاء لكن بدون اجتماع بدون طعام بدون نياحة بدون ذكر محاسن الميت لأن ذكر محاسن الميت ندب والندب منهي عنه وأحسن ما يفعل للميت بعد موته الدعاء لقول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم- «إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له».
المصدر:
الشيخ ابن عثيمين من فتاوى نور على الدرب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟