الأحد 20 شوّال 1445 هـ

تاريخ النشر : 08-09-2023

حكم تكفير من لا يصلي

الجواب

الصواب من أقوال أهل العلم أن تاركَ الصَّلاةِ كافرٌ كُفْرًا محرجًا مِنَ المِلَّةِ؛ بدلالة الكتاب والسُّنةِ عَلَى ذَلكَ، قالَ الله -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيَّا إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ﴾ [مريم: ٥٩-٦٠]. فقوله: ﴿تَابَ وَآمَنَ﴾ يدلُّ عَلَى أنه في حالِ إضاعةِ الصَّلاةِ ليس بمؤمِن.

وقالَ تَعَالَى: ﴿فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدين﴾ [التوبة: ١١] فدلَّ ذلكَ عَلَى أن المسلم إذا تَخلف عن واحدٍ مِنْ هذه الثلاثةِ لم يَكُنْ لنا أخًا في الدين، فكما أنَّ المشرك إذا بقي عَلَى شِركه فليسَ أخًا لنا، فكذلك مَن لم يُقمِ الصَّلاةَ فليسَ أخًا لنا في الدِّينِ، وأيضًا من لم يُؤتِ الزكاةَ. وظَاهِرُ الآية يدلُّ عَلَى ذَلك أنهم ليسوا إخوةً لنا في الدين، لكنْ قَدْ وَردَ فِي السُّنةِ بأن تاركَ الزكاةِ يُعذب بها في الآخرَةِ، ثم يُرَى سَبيلَه إما إلى الجنة، وإما إلى النَّارِ.

وقد ثبت في صحيح مسلم مِن حَديثِ جابرٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (بَينَ الرَّجُلِ وبَينَ الشَّركِ وَالكُفْرِ تَركُ الصَّلَاةِ).

وفي السننِ مِن حَديثِ بُرَيْدَةَ: (العَهْدُ الذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ الصَّلَاةُ، فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ).

إذنْ فَتاركُ الصَّلاةِ كافرٌ كُفْرًا مُخْرجًا عنِ المِلَّةِ، ولا يَنفعه صيام ولا زَكَاةٌ ولا حَج؛ لقَولِه تَعَالَى: ﴿وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ، وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَرِهُونَ﴾ [التوبة: ٥٤] وإذا كان كافرًا -أيها الإخوَةُ- فَرَتَّب عليه أحكامًا دنيويةً وأحكامًا أُخْرَوِيَّةٌ.

أما الأحكامُ الدنيوية فيترتب عليها:

أولًا: إذا كانَ مُتزوجًا انفَسخ نكاحُه مِن زوجته، ولم تُصبح له زَوجة؛ لأنه كَافِرُ، وهي مسلمَةٌ؛ وقد قَالَ الله تَعَالَى: ﴿فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ﴾ [الممتحنة: ١٠] ولذلكَ يَجبُ أَنْ يُفَرِّقَ بينه وبين زوجَتِه؛ لأنها أصبحَتْ حرامًا عليه.

ثانيًا: إذا ماتَ لَا يُغسل، ولا يُكفّن، ولا يُصلّى عليه، ولا يُدعى له بالرحمة، وإنما يُخرجُ به إلى مَكانٍ، وتُغمَرُ جثته؛ لئَلا يُؤْذِي الناسَ برائحته.

ثالثًا: إذا مَاتَ وأهلُه يَعلمون أنه تاركُ للصَّلاةِ لَا يَجوزُ لهم أَنْ يَغسلوه، ولا يُكفنوه، ولا يُقَدِّمُوه إلى المسلمِينَ ليُصلُّوا عليه؛ لأنَّ الله تَعَالَى يَقولُ للرسول -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: ﴿وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُم مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ﴾ [التوبة: ٨٤].

وهم إذا قَدَّمُوهُ لِيُصَلُّوا عَليه وهُو تاركٌ لصلاةِ المسلِمِينَ، فإنهم بذلك خائنون للمسلمين؛ لأنهم قَدَّمُوا مَن لَا يَستحقُ أَنْ يُصلى عليه ليُصلَّى عليه.

رابعًا: إذا مات فإن أقاربه المسلِمينَ لَا يَرثُونَه، ولا يَحلُّ لهم مِن ميراثه شيءٌ؟ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- في حَدِيثِ أسامة بن زيد: (لَا يَرِثُ المُسلِمُ الكَافِرَ وَلَا الكَافِرُ المُسْلِمَ) وهو ثابتٌ في الصَّحيحَين.

خامسًا: إذا مات قريبه فلا يجوز له مِن ميراثه شيء؛ لأنه كَافِرُ، والكَافِرُ لَا يَرتُ المسلم.

أَمَّا مَا يَتَرَتَّبُ عَليه فِي الآخِرَةِ:

أولًا: لَا يُدفنُ في مقابر المسلمينَ؛ لأن الكافرَ لَا يَجوزُ أَنْ يُدفنَ معَ المسلمينَ مَهمَا كانَ.

ثانيًا: إذا حُشر يومَ القيامةِ حُشِرَ مع فرعونَ وَهَامَانَ وَقارُونَ وأُبيِّ بنِ خَلَفٍ، ويُخلَّد في نار جهنم، والعِياذُ بالله.

إذَنِ المسألة عظيمةٌ وكَبيرةٌ، ومَسؤوليته عليكُم مِن أعظم ما يكونُ؛ لذلك يجب عليكم أن تتفقدوا أهلَكُم مِن أولادٍ وزَوجاتٍ وبَنينَ وَبَنَاتٍ وأَخَوَاتٍ وغيرهم.

يَجب عليكم أن تلاحظوا هذا، وأنتم مسؤولون أمامَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-، فلا بُدَّ أَن تَنتبهوا إلى هذا الأمر العظيم الخطير الَّذِي وقع فيه كثيرٌ منَ الناسِ.

واعلموا أيضًا أن الإِنْسَانَ إذا حجّ وهو لَا يُصَلِّي، وكانَ قَدْ عَزمَ أَنه لَا يُصلي، فَإِنَّهُ لَا يُقبل حجه، وعليه إذا هداه الله للإسلام، ورجع إلى الإسلام وصلَّى أَنْ يُعيد حَجَّةَ الإِسلَام؛ لأنه أدَّاها في حالِ كُفْرِه، فإذا تابَ تَابَ اللهُ علَيه.

فهذه المسألةُ مِن أعظم ما يَكونُ بين المسلمين اليوم، وقد انتشرت انتشارًا كبيرًا، ولكن مع التوعية والتعليم والحَذَر، نسألُ الله تَعَالَى أَنْ يَنفَعَ بها.

المصدر:

[دروس وفتاوى من الحرمين الشريفين للشيخ ابن عثيمين (13/62-65)].


هل انتفعت بهذه الإجابة؟