الأربعاء 23 شوّال 1445 هـ

تاريخ النشر : 24-03-2020

حكم تكرار العمرة في سفرة واحدة

الجواب
تكرار العمرة في سفر واحد ليس من هدي النبي - عليه الصلاة والسلام - ولا من هدي أصحابه - رضي الله عنهم - فيما نعلم، فها هو النبي - عليه الصلاة والسلام - فتح مكة في رمضان في العشرين من رمضان أو قريباً من ذلك وبقي - عليه الصلاة والسلام - تسعة عشر يوما في مكة ولم يحفظ عنه أنه خرج إلى التنعيم ليأتي بالعمرة مع تيسر ذلك عليه وسهولته، وكذلك أيضاً في عمرة القضاء التي صالح عليها المشركين قبل فتح مكة دخل مكة وبقي فيها ثلاثة أيام ولم يأت بغير العمرة الأولى مع أننا نعلم علم اليقين أنه ليس أحد من الناس أشد حباً لطاعة الله من رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ، ونعلم علم اليقين أنه لو كان من شريعة الله أن يكرر الإنسان العمرة في سفرة واحدة في هذه المدة الوجيزة لو كان ذلك من شريعته لبينه لأمته إما بقوله، أو فعله، أو إقراره نعلم هذا، فلما لم يكن ذلك لا من قوله، ولا من فعله، ولا من إقراره علم أنه ليس من شريعته، وأنه ليس من السنة أن يكرر الإنسان العمرة في سفرة واحدة، بل تكفي العمرة الأولى التي قدم بها من بلاده، ويدل إلى هذا أيضاً أن الرسول - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - لما أرسل عبد الرحمن بن أبي بكر مع عائشة - رضي الله عنها - إلى التنعيم أحرمت عائشة بالعمرة ولم يحرم عبد الرحمن ولو كان معروفاً عندهم أن الإنسان يكرر العمرة لكان يحرم لئلا يحرم نفسه الأجر مع سهولة الأمر عليه ومع ذلك لم يحرم، والعجب أن الذين يفعلون ذلك أي يكررون العمرة في سفر واحد يحتجون بحديث عائشة- رضي الله عنها - والحقيقة أن حديث عائشة حجة عليهم وليس لهم، لأن عائشة - رضي الله عنها - إنما فعلت ذلك حيث فاتتها العمرة فهي- رضي الله عنها - أحرمت من الحديبية أول ما قدم النبي - عليه الصلاة والسلام - مكة بعمرة، وفي أثناء الطريق حاضت بسرف فدخل عليها النبي - صلى الله عليه وسلم - وهي تبكي وأخبرته أنه أصابها ما يصيب النساء من الحيض، فأمرها - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - أن تدخل الحج على العمرة، فأحرمت بالحج ولم تطف ولم تسع حين قدومهم على مكة وإنما طافت وسعت بعد ذلك، فصار نساء الرسول - عليه الصلاة والسلام - أخذن عمرة مستقلة وحجاً مستقلاً، فلما فرغت من الحج طلبت من النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تأتي بعمرة، وقالت: (يذهب الناس بعمرة وحج وأذهب بحج) فأذن لها النبي - عليه الصلاة والسلام - أن تأتي بعمرة فذهبت وأحرمت بعمرة ومعها أخوها عبد الرحمن ولم يحرم معها ولو كان هذا من السنة المطلقة لعامة الناس لأرشد النبي - صلى الله عليه وسلم - عبد الرحمن أن يحرم مع أخته، أو لأحرم عبد الرحمن مع أخته حتى يكون في ذلك إقرار الرسول - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - على هذه العمرة التي فعلها عبد الرحمن، وكل ذلك لم يكن، ونحن نقول: إذا حصل لامرأة مثل ما حصل لعائشة- رضي الله عنها - يعني أحرمت بالعمرة متمتعة بها إلى الحج ولكن جاءها الحيض قبل أن تصل إلى مكة وأدخلت الحج على العمرة ولم يكن لها عمرة مستقلة ولم تطب نفسها أن ترجع إلى أهلها إلا بعمرة مستقلة فإن لها أن تفعل ذلك كما فعلت عائشة - رضي الله عنها - فتكون القضية قضية معينة وليست عامة لكل أحد، وحينئذ نقول لهذا السائل: لا تكرر العمرة في سفر واحد وأتت بالعمرة الأولى التي قدمت بها إلى مكة وكفى، وخير الهدي هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا هو الحق في هذه المسألة.
وبهذه المناسبة أرى كثيراً من الناس يحرصون على العمرة في ليلة سبع وعشرين من رمضان ويقدمون من بلادهم لهذا، وهذا أيضاً من البدع؛ لأن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - لم يحض يوما من الأيام على فعل العمرة في ليلة سبع وعشرين في رمضان، ولا كان الصحابة- رضي الله عنهم - يترصدون ذلك فيما نعلم، وليلة القدر إنما تخص بالقيام الذي حث عليه النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -حيث قال: «من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له اتقدم من ذنبه» والقيام في ليلة السابع والعشرين من رمضان أفضل من العمرة خلافاً لمن يخرج من مكة إلى العمرة في هذه الليلة، أو يقدم فيها من بلده قاصداً هذه الليلة، أما لو كان ذلك على وجه المصادفة بأن يكون الإنسان سافر من بلده في وقت صادف أن وصل إلى مكة ليلة سبع وعشرين فهذا لا نقول له شيئاً، لا نقول له: لا تؤدِ العمرة، وفرق بين أن نقول يستحب أن يأتي بالعمرة ليلة سبع وعشرين، وبين أن نقول لا تأتي بالعمرة في ليلة سبع وعشرين، نحن لا نقول: لا تأت بالعمرة ليلة سبع وعشرين لكن لا تتقصد أن تكون ليلة سبع وعشرين لأنك إذا قصدت أن تكون ليلة سبع وعشرين فقد شرعت في هذه الليلة ما لم يشرعه الله ورسوله، والمشروع في ليلة سبع وعشرين إنما هو القيام كما أسلفنا، لذلك أرجو من إخواني طلبة العلم أن ينبهوا العامة على هذه المسألة حتى نكون داعين إلى الله على بصيرة، داعين إلى الخير، آمرين بالمعروف، ناهين عن المنكر، وحتى يتبصر العامة؛ لأن العامة يحمل بعضهم بعضاً ويقتدى بعضهم ببعض، فإذا وفق طلبة العلم في البلاد وكل إنسان في بلده إلى أن ينبهوا الناس على مثل هذه المسائل التي اتخذها العامة سنة وليس بسنة حصل بهذا خير كثير، والعلماء هم قادة الأمة وهم سرج الأمة كما كان نبيهم - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - سراجاً منيراً فإنه يجب أن يرثوه - صلى الله عليه وسلم - في هذا الوصف الجليل، وأن يكونوا سرجاً منيرة لمن حولهم، ونسأل الله تعالى أن يبصرنا جميعاً في ديننا.
المصدر:
مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين(22/252)

هل انتفعت بهذه الإجابة؟