الإثنين 21 شوّال 1445 هـ

تاريخ النشر : 25-03-2020

حكم تسييد النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة وغيرها

الجواب
الجواب عن السؤال الذي عرض علينا في هذه الحلقة، وهو: تسييد الرسول - صلى الله عليه وسلم - عند الصلاة عليه، فإننا نقول: لا ريب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سيد ولد الخلق، سيد ولد آدم، وأنه له السيادة المطلقة عليهم، لكنها السيادة البشرية، سيادة بشر على بشر، أما السيادة المطلقة فإنها لله عز وجل، فالرسول عليه الصلاة والسلام سيد ولد آدم في الدنيا والآخرة، وهو إمامهم عليه الصلاة والسلام، ويجب على المؤمن أن يعتقد ذلك في رسوله - صلى الله عليه وسلم - . أما زيادة سيدنا في الصلاة على رسوله - صلى الله عليه وسلم - فإنها إن أردنا الألفاظ التي ورد بها النص لا ينبغي ذكرها إذا كانت لم تذكر؛ لأن الصيغة التي وردت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في صفة الصلاة عليه هي أحسن الصيغ وأولاها بالاتباع، أما إذا كان يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - صلاة مطلقة فإنه لا بأس أن يقول: صلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين مثلاً، لا بأس أن يقولها لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - له السيادة على البشر، ولكننا في الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في التشهد لا نزيدها؛ لأنها لم ترد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فنقول: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، ولا نقول: السلام عليك سيدنا أيها النبي، ونقول: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، ولا نقول: اللهم صلِّ على سيدنا محمد، بل ولا نقول: اللهم صلِّ على نبينا محمد، بل نقول: اللهم صلِّ على محمد كما جاء به النص، هذا هو الأولى والأفضل. أما التوسل بالنبي - صلى الله عليه وسلم - فإن التوسل به أقسام: أحدها: أن يتوسل بالإيمان به، وهذا التوسل صحيح، مثل أن يقول: اللهم إني آمنت بك وبرسولك فاغفر لي، هذا لا بأس به وهو صحيح، وقد ذكره الله تعالى في القرآن في قوله: ﴿رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ﴾[آل عمران: 193]. ولأن الإيمان بالرسول - صلى الله عليه وسلم - وسيلة شرعية لمغفرة الذنوب وتكفير السيئات، فهو قد توسل بوسيلة ثابتة شرعاً. ثانياً: أن يتوسل بدعائه - صلى الله عليه وسلم - ، أي: بأن يدعو للمشفوع له، وهذا أيضاً جائز وثابت، لكنه لا يمكن أن يكون إلا في حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وقد ثبت عن عمر - رضي الله عنه - أنه قال: (اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا)، وأمر العباس أن يقوم فيدعو الله سبحانه وتعالى بالسقيا، فالتوسل في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - بدعائه هذا جائز ولا بأس به. القسم الثالث: أن يتوسل بجاه الرسول - صلى الله عليه وسلم - سواء في حياته أو بعد مماته، فهذا توسل بدعي لا يجوز، وذلك لأن جاه الرسول عليه الصلاة والسلام لا ينتفع به إلا الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، أما أنت بالنسبة إليك فإنك لا تنتفع به؛ لأنه ليس من عملك، وشيء ليس من عملك لا ينفعك، وعلى هذا فلا يجوز للإنسان أن يقول: اللهم إني أسألك بجاه نبيك أن تغفر لي أو أن ترزقني الشيء الفلاني؛ لأن الوسيلة لابد أن تكون وسيلة، والوسيلة: مأخوذة من الوسل، بمعنى الوصول إلى الشيء، فلابد أن تكون هذه الوسيلة موصلة إلى الشيء، وإذا لم تكن موصلة إليه فإن التوسل بها غير مجد ولا نافع.
وعلى هذا فنقول: التوسل بالرسول عليه الصلاة والسلام ثلاثة أقسام: أن يتوسل بالإيمان به واتباعه، وهذا جائز في حياته وبعد مماته. أن يتوسل بدعائه أي بأن يطلب من الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يدعو له فهذا جائز في حياته لا بعد مماته؛ لأنه بعد مماته متعذر.
القسم الثالث: أن يتوسل بجاهه ومنزلته عند الله فهذا لا يجوز، لا في حياته ولا بعد مماته؛ لأنه ليس وسيلة، إذ إنه لا يوصل الإنسان إلى مقصوده؛ لأنه ليس من عمله. فإذا قال قائل: لو جئت إلى الرسول عليه الصلاة والسلام عند قبره وسألته أن يستغفر لي أو أن يشفع لي عند الله هل يجوز ذلك أو لا ؟ قلنا: لا يجوز.
فإذا قال: أليس الله يقول: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً﴾[النساء: 64] ؟ قلنا: بلى إن الله يقول ذلك، ولكنه يقول: ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك، وإذ هذه ظرف لما مضى وليس ظرفاً للمستقبل، لم يقل الله تعالى: ولو أنهم إذا ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول، بل قال: إذ ظلموا، فالآية تتحدث عن أمر وقع في حياة الرسول عليه الصلاة والسلام، وحصل من بعض القوم مخالفة وظلم لأنفسهم، فقال الله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ﴾[النساء: 64]، واستغفار الرسول - صلى الله عليه وسلم - بعد مماته أمر متعذر؛ لأنه إذا مات العبد انقطع عمله، كما قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - «إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به من بعده، أو ولد صالح يدعو له». فلا يمكن للإنسان بعد موته أن يستغفر لأحد، بل ولا يستغفر لنفسه أيضاً؛ لأن العمل انقطع.
فضيلة الشيخ: أثابكم الله إذاً على هذا لا يكون التوسل إلا مثلاً بالإيمان بالرسول - صلى الله عليه وسلم - لكن هل نقيس عليه التوسل بأي عبادة من العبادات، كالتوسل مثلاً بصلاة الإنسان أو بصومه أو بعمل من أعماله الصالحة ؟
يتوسل به نعم لا بأس به، يقول مثلا: اللهم لك صليت لك صمت لك حججت وما أشبه ذلك فاغفر لي، هذا لا بأس به؛ لأن هذه الأعمال من أسباب المغفرة.
المصدر:
الشيخ ابن عثيمين من فتاوى نور على الدرب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟