الأربعاء 23 شوّال 1445 هـ

تاريخ النشر : 24-03-2020

حكم الصلاة وراء من يعتقد بقدرة الأولياء على الضر والنفع

الجواب
هذا قول من أقبح الأقوال، وهذا من الكفر والشرك بالله عز وجل؛ لأن الأولياء لا ينفعون ولا يضرون، ولا يجيئون بمنافع، ولا يدفعون مضار إذا كانوا أمواتا وصح أن يسموا أولياء؛ لأنهم معروفون بالعبادة والصلاح، فإنهم لا ينفعون ولا يضرون، بل النافع الضار هو الله وحده، هو الذي يجلب النفع للعباد، ويدفع عنهم الضرر، كما قال الله جل وعلا لنبيه -صلى الله عليه وسلم-: ﴿قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ﴾[الأعراف: 188]، فهو سبحانه النافع الضار جل وعلا، قال سبحانه وتعالى في المشركين: ﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ﴾[يونس: 18]، فالله جل وعلا هو النافع الضار، وجميع الخلق لا ينفعون ولا يضرون، أما الأموات فظاهر؛ لأنهم قد انقطعت حركاتهم وذهبت حياتهم، فلا ينفعون أنفسهم ولا غيرهم، ولا يضرون؛ لأنهم قد فقدوا الحياة، وفقدوا القدرة على التصرف، وهكذا في الحياة لا ينفعون ولا يضرون إلا بإذن الله، هم بزعمهم أنهم يستقلون بالنفع والضر وهم أحياء كفر أيضا، بل النافع الضار هو الله وحده سبحانه وتعالى، ولهذا لا تجوز عبادتهم ولا دعاؤهم ولا الاستغاثة بهم ولا النذر لهم ولا طلبهم المدد، ومن هذا يعلم كل ذي بصيرة أن ما يفعله الناس عند قبر البدوي، أو عند قبر الحسين، أو عند قبر الكاظم، أو عند قبر الشيخ عبد القادر الجيلاني، أو ما أشبه ذلك من طلب المدد والغوث أنه يكفر بالله، بل يشرك بالله سبحانه وتعالى، فيجب الحذر من ذلك والتوبة من ذلك والتواصي بترك ذلك، ولا يصلى خلف هؤلاء؛ لأنهم مشركون بعملهم هذا شركا أكبر، فلا يصلى خلفهم، ولا يصلى على ميتهم؛ لأنهم عملوا الشرك الأكبر الذي كانت عليه الجاهلية في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- ، كان عليه أبو جهل وأشباهه من كفار مكة، وعليه كفار العرب وهو دعاء الأموات والاستغاثة بالأموات والأشجار والأحجار، هذا عين الشرك بالله عز وجل، والله يقول سبحانه: ﴿وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾[الأنعام: 88].
والواجب على أهل العلم أن يبينوا لهم، وأن يوضحوا لهم الحق، وأن يرشدوهم إلى الصواب، ويحذروهم من هذا الشرك بالله عز وجل. يجب على العلماء في كل مكان؛ في مصر والشام والعراق ومكة والمدينة وسائر البلاد أن يرشدوا الناس ولا سيما عند وجود الحجاج، يجب أن يرشدوا ويبينوا لهم هذا الأمر العظيم والخطر الكبير؛ لأن بعض الناس قد وقع فيه في بلاده عن جهل أو تقليد، فيجب أن يبين لهم توحيد الله، ومعنى: لا إله إلا الله. وأن معناها: لا معبود بحق إلا الله. فهي تنفي الشرك وتنفي العبادة عن غير الله، وتثبت العبادة لله وحده، وهذا معنى قوله سبحانه: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ﴾[الإسراء: 23]، ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ﴾[البينة: 5]، وهذا هو معنى قوله جل وعلا: ﴿فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ﴾[الزمر: 2-3]، وقوله سبحانه: ﴿فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾[غافر: 14]، فالواجب توجيه العباد إلى الخير وإرشادهم إلى توحيد الله، وأن الواجب على كل إنسان أن يعبد الله وحده، ويخصه بالعبادة وبالدعاء والخوف والرجاء وبالتوكل وطلب الغوث والصلاة والصوم وغير ذلك كله لله وحده، لا يجوز أبدا أن يعبد شيء من ذلك من دون الله سبحانه، سواء كان نبيا أو وليا أو غير ذلك، فالنبي لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا، لكن يتبع ويطاع في الحق، يطاع ويتبع ويحب المحبة الصادقة له، ونبينا -صلى الله عليه وسلم- أفضل الأنبياء وأشرفهم، ومع هذا لا يدعى من دون الله ولا يستغاث به ولا يسجد له، ولا يصلى له، ولا يطلب المدد منه، ولكن يتبع ويصلى عليه ويسلم عليه، ويجب أن يكون أحب إلينا من أنفسنا وأموالنا وأولادنا وآبائنا وغير ذلك، هذا هو الواجب كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين» لكن هذه المحبة لا تجوز لنا أن نشرك به، لا تسوغ لنا أن ندعوه من دون الله، أو نستغيث به أو نسأله المدد أو الشفاء، بل نحبه المحبة الصادقة؛ لأنه رسول الله إلينا، ولأنه أفضل الخلق، ولأنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة، نحبه لله محبة صادقة فوق محبة الناس والمال والولد، ولكن لا نعبده مع الله، وهكذا الأولياء نحبهم في الله، ونترحم عليهم من العلماء والعباد، ولكن لا ندعوهم مع الله، ولا نبني على قبورهم ولا نستغيث بهم، ولا نطوف بقبورهم، ولا نطلبهم المدد، كل هذا شرك بالله، ولا يجوز الطواف بالكعبة إلا لله وحده، فالذي يطوف بالقبر لأجل طلب الفائدة من الميت، أو طلب المدد أو طلب الشفاء، أو طلب النصر على الأعداء كل هذا من الشرك بالله عز وجل، فالواجب الحذر منه غاية الحذر.
المصدر:
الشيخ ابن باز من فتاوى نور على الدرب(12/ 113- 117)

هل انتفعت بهذه الإجابة؟