الأربعاء 23 شوّال 1445 هـ

تاريخ النشر : 24-03-2020

حكم الصلاة في المساجد التي فيها قبور

الجواب
المساجد التي فيها القبور لا يصلى فيها؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : «لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» ولقوله - عليه الصلاة والسلام - : «ألا وإن من كان من قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك» فحسب ما قال - عليه الصلاة والسلام - ، فقد نهاهم عن اتخاذها مساجد، ويذم الماضين الذين فعلوا هذا الأمر، يقول - عليه الصلاة والسلام - : " ألا وإن من كان قبلكم "، يعني: من الناس من اليهود والنصارى وغيرهم، " كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ". يعني: يصلون عندها ويصلون حولها، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك "، فنهاهم عنها من وجوه ثلاثة؛ من جهة ذم الماضين على فعلها، ومن جهة قوله: " لا تتخذوا " ومن جهة قوله: " فإني أنهاكم عن ذلك " ثلاث جهات كلها محل نهي، تحذير فلا يجوز للمسلمين أن يبنوا على القبور قبة، ولا مسجدا، ولا يصلوا عند القبر لا فرضا ولا نفلا، إلا صلاة الجنازة إذا مات وأحضروه عند القبر أو بعد دفنه، وصلى عليه بعض الناس لا بأس، أو صلى عليه من لم يحضر فصلى على القبر لا بأس، قبل موعد شهر أو عند موعد شهر لا بأس، يعني: يصلي عليه خلال موعد شهر، وما حوله، فالحاصل أن الصلاة في المقبرة لا تجوز، والبناء على القبور لا يجوز، لا مسجد ولا غيره، وما وقع في بعض الأمصار وبعض الدول من البناء على القبور كله خطأ، والواجب على حكام المسلمين أن يزيلوا ذلك؛ أن يزيلوا البناء على القبور، وأن يمنعوا الناس من دعاء الأموات، والاستغاثة بالأموات، والنذر لهم، هذا هو الشرك، كونه يأتي ويقول: يا سيدي، اشف مريضي، أو انصرني، أو اقض لي حاجتي، أو أخبرني عما مضى عن كذا وكذا. هذا من الشرك الأكبر؛ لأنه لا يعلم الغيب إلا الله، الأموات لا يعلمون الغيب، ولا يقضون الحاجات، فهم مرتهنون بأعمالهم، فالذي يسألهم قضاء الحاجة وشفاء المريض، والنصر على الأعداء قد أتى منكرا عظيما وشركا أكبر، فالله سبحانه يقول: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا﴾[الجن: 18]، ويقول سبحانه: ﴿ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ﴾[فاطر: 13]، القطمير: اللفافة التي على النواة ﴿إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ﴾[فاطر: 14]، سمى الله عملهم هذا شركا، ﴿وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ﴾[فاطر: 14]، سبحانه وتعالى، فأخبرنا سبحانه أن الأموات لا يسمعون دعاءنا وهكذا الأصنام والأشجار والأحجار، ولو سمعوا ما استجابوا على سبيل الفرض، لو سمعوا ما استجابوا، ما عندهم قدرة، ويوم القيامة يكفرون بهذا الأمر، ينكرونه ويتبرؤون منه، ويقول سبحانه: ﴿وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ﴾[المؤمنون: 117]، سماهم كفرة ويقول عز وجل: ﴿قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾[يونس: 18]، رد الله عليهم بقوله: ﴿قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾[يونس: 18]، سمى الله عملهم شركا، وقال عز وجل في أول سورة الزمر: ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ﴾[الزمر: 3]، سماهم كذبة كفرة؛ لأن الأموات ما يقربون إلى الله زلفى، الأموات مرتهنون بأعمالهم، يقول سبحانه: ﴿كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ﴾[الطور: 21]، لا يملكون شيئا مما عليهم، لا يقربون إلى الله من دعاهم، ولا ينصرونه ولا يشفون مريضه، قال تعالى: ﴿أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ * وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ﴾[الأعراف: 191-192]، فالأموات لا يملكون شيئا لداعيهم، ولا يستطيعون نصر داعيهم، ولا نصر أنفسهم، فكيف يدعون مع الله ؟ كيف يستغاث بهم ؟ والأصنام من الحجارة أو غيرها من باب أولى، لا تسمع ولا تملك شيئا؛ صم، بكم ما يسمعون، وهكذا الأشجار، وهكذا الأحجار، وهكذا الكواكب والنجوم، وهكذا الشمس والقمر، كلها لا تعبد من دون الله، من عبدها فقد أشرك بالله، وما يقع في بعض الأمصار من دعوة الأموات؛ كدعوة البدوي أو الحسين أو الشيخ عبد القادر، أو أبي حنيفة أو الشافعي رحمة الله عليهما أو غيرهم كل هذا باطل، الحسين - رضي الله عنه - يبرأ ممن عبده، وهكذا علي بريء ممن عبده، وهكذا بقية الأنبياء والصالحين برآء ممن عبدهم، نبينا محمد بريء ممن عبده، وهكذا الأنبياء كلهم برآء ممن عبدهم، وهكذا الصالحون مثل علي - رضي الله عنه - ، ومثل الحسين ومثل الحسن ومثل نفيسة ومثل زينب، كلهم برآء ممن عبدهم من دون الله، لا يرضون بذلك، وعبادتهم شرك بالله عز وجل، وهكذا الشيخ عبد القادر الجيلاني والإمام أبو حنيفة هم برآء ممن عبدهم من دون الله، وعبادتهم شرك بالله فمن دعاهم أو استغاث بهم أو نذر لهم، أو سألهم شفاء المريض فقد أشرك بالله، وهكذا من دعا غيرهم من الأموات في أي بلد في الجزيرة العربية، أو في مصر أو في الشام أو في العراق، أو أفريقيا أو أمريكا أو في كل مكان، لا تجوز عبادة غير الله أبدا، العبادة حق لله وحده، يقول سبحانه: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ﴾[الإسراء: 23]، يعني: أمر وأوصى. ويقول سبحانه: ﴿وَمَا أُمِرُوا﴾[البينة: 5]يعني الناس، ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ﴾[البينة: 5]، ويقول عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ﴾[البقرة: 21]، ويقول جل وعلا: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾[النحل: 36]، ويقول سبحانه: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾[النساء: 36]، ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : «لعن الله من ذبح لغير الله» ويقول جل وعلا في كتابه العظيم: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا﴾[الجن: 18]، فالواجب على جميع المسلمين التواصي بالحق والتحذير من هذا الشرك، والواجب على العلماء أينما كانوا أن يتقوا الله، وأن يعلموا الناس دين الله وتوحيد الله، وأن يحذروهم من عبادة القبور وأهل القبور، أو عبادة الأصنام والأشجار والأحجار أو النجوم أو غير ذلك، هذا واجب العلماء في كل مصر، وفي كل بلد وفي كل دولة، يجب على العلماء أن يعلموا الناس، وأن يرشدوا الناس إلى توحيد الله، فالعبادة حق الله والدعاء لله: يا رب اغفر لي، يا رب انصرني يا رب اشف مريضي، يا الله يا رحمن يا رحيم، أنت سبحانك المالك لكل شيء، أنت القادر على كل شيء. أما أن يقول: يا سيدي عبد القادر، أو يا سيدي الحسين، أو يا سيدي البدوي، اشف مريضي. فهذا هو الشرك الأكبر، أو: يا فلان، أو يا سيدي عبد القادر، أو يا سيدي أبا حنيفة. هذا كله منكر كله شرك أكبر، ومن المصائب العظيمة وقوع شيء مثل هذا البلاء؛ هذه من المصائب العظيمة.
فالواجب على أهل العلم أن ينكروا هذا الشرك، وأن يعلموا الناس، وأن يرشدوهم، والواجب على ولاة الأمور والحكام من المسلمين أن ينبهوا عن هذا الأمر، وأن يزيلوا المساجد التي على القبور والبناء الذي على القبور، وأن يجعلوا القبور مكشوفة ظاهرة مثل القبور في البقيع مكشوفة، كما كانت في عهد النبي - عليه الصلاة والسلام - وعهد الصحابة مكشوفة: لا بناء عليها ولا مسجد ولا غيره، هذا هو الواجب على المسلمين في كل مكان؛ في الدول الإسلامية وفي غيرها، الواجب أن تكون القبور مكشوفة ليس عليها بناء، ولا يجوز أن تعبد مع الله، ولا أن تدعى مع الله، ولا أن يستغاث بها، ولا يطاف بها، ولا يعكف عندها ولا يصلى عندها، ولكن تزار، يزار قبر المسلم، يسلم عليه، يدعى له لأن الرسول - عليه الصلاة والسلام - قال: «فزوروا القبور؛ فإنها تذكر الموت» وكان - عليه الصلاة والسلام - يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا: «السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله للاحقون، أسأل الله لنا ولكم العافية» وفي رواية «ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين» وإذا زار القبور التي في المدينة يقول: «السلام عليكم يا أهل القبور، يغفر الله لنا ولكم أنتم سلفنا ونحن بالأثر» هكذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعلم أصحابه، يزور ويدعو للميت (الموتى) ويقول - صلى الله عليه وسلم - السلام المأثور عنه (الذي ذكرنا)، أما إن كان الزائر لأموات كفار وزارهم فإنه لا يدعو لهم، بل للعبرة مثل ما زار النبي - صلى الله عليه وسلم - قبر أمه، ولم يستغفر لها فقد نهاه الله أن يستغفر لها، لكن زارها للعبرة، فإذا كانت قبور كفار نصارى وغيرهم ومر عليهم ووقف للعبرة والتذكر للآخرة، تذكر الموت تذكر النار والجنة للعبرة لا بأس، يزورهم للعبرة لا يسلم ولا يدعو، أما قبور المسلمين فيسلم عليهم ويدعو لهم وفق الله الجميع وهدى المسلمين جميعا لما يرضيه، ووفقهم في الدين ووفق علماء المسلمين لكل ما فيه صلاح المسلمين وبراءة الذمة.
المصدر:
الشيخ ابن باز من فتاوى نور على الدرب(11/ 376- 384)

هل انتفعت بهذه الإجابة؟