الإثنين 21 شوّال 1445 هـ

تاريخ النشر : 24-03-2020

حكم الصلاة خلف من يعتقد في القبور

الجواب
هذا السؤال فيه إجمال، فإن الاعتقاد في القبور أنواع: فإذا كان يعتقد فيها أنها تصلح أن تعبد من دون الله، وأن يستغاث بأهلها، وينذر لهم ويذبح لهم ويطاف بقبورهم هذا الشرك الأكبر، فلا يصلى خلفه؛ لأنه مشرك، والصلاة لا تصح إلا خلف المسلم، فإذا كان يعتقد أن أصحاب القبور يدعون من دون الله ويستغاث بهم وينذر لهم ويذبح لهم ونحو ذلك، كما يفعل بعض الجهلة عند قبر البدوي، أو الحسين، أو الشيخ عبد القادر الجيلاني أو غيرهم هذا من الشرك الأكبر. فالذين يعتقدون هذه الاعتقادات في أصحاب القبور ليسوا مسلمين، بل هم كفار، فعلهم فعل كفار قريش وأشباههم من جهلة مشركي العرب؛ لأن العرب كانت تعبد أصحاب القبور كاللات والعزى، ويعبدون الأصنام والأشجار والأحجار، ويستغيثون بهم وينذرون لهم ويذبحون لهم، فحكم الله عليهم بالشرك، قال جل وعلا في كتابه العظيم: ﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ﴾[يونس: 18]، ويقول سبحانه جل وعلا: ﴿مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ﴾[التوبة: 17]، فالذي يعبد الأصنام أو الأشجار أو الأحجار أو أصحاب القبور يعتبر مشركا في حكم الإسلام، ولا يصلى خلفه، أما إن كان يعتقد في أصحاب القبور أنه يستحب زيارتهم والدعاء لهم، كما شرع الله ذلك هذا أمر مشروع، أصحاب القبور من المسلمين يستحب أن تزار قبورهم، وأن يدعى لهم بالرحمة والمغفرة، هذا لا حرج فيه. وهناك نوع ثالث يعتقد في أصحاب القبور أنه يصلى عند قبورهم، يقرأ عندها وأن هذا فيه بركة، لكن لا يعبدون ولا يدعون ولا يصلى لهم ولا يطاف لهم، لكن يرى أنه يصلى عند قبورهم للبركة؛ لأنها بقعة مباركة، أو يرى أنه يقرأ عندها أو يتحرى عندها الدعاء؛ دعاء الله لا دعاءهم، هذا من البدع ولا يكون مشركا بذلك، لكن من البدع، ينكر عليه ويبين له أن هذا غلط، وأن الله ما شرع لنا أن نصلي عند القبور، ولا أن نقرأ عندها، ولا أن ندعو الله عندها، يقول -صلى الله عليه وسلم-: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» فالمساجد هي التي يصلى فيها ويدعى فيها ويقرأ فيها، أما القبور لا، تزار للدعاء لهم، تزار القبور إذا كانت قبور المسلمين، يدعى لهم بالرحمة والمغفرة، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «زوروا القبور، فإنها تذكركم الآخرة» وكان يعلم أصحابه -عليه الصلاة والسلام- و-رضي الله عنهم- ، يعلمهم إذا زاروا القبور أن يقولوا: «السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، أسأل الله لنا ولكم العافية» وفي حديث عائشة -رضي الله عنها- في مسلم كان يقول: «يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين» «اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد». وفي حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- زار القبور، قبور المدينة، فقال: «السلام عليكم يا أهل القبور، يغفر الله لنا ولكم، أنتم سلفنا ونحن بالأثر» هذه الزيارة الشرعية، المسلم يزور قبور المسلمين في بلده من غير شد رحال، ويسلم عليهم ويدعو لهم بالرحمة والمغفرة والعافية، هذه الزيارة فيها خير كثير، تنفع الميت والحي، الحي يتذكر الآخرة ويستعد للآخرة، ويدعو لإخوانه الميتين، والأموات ينتفعون بهذا الدعاء.
أما إن كان الميت ليس بمسلم فإنما يزار للعبرة فقط، ولا يدعى له، كما زار النبي -صلى الله عليه وسلم- قبر أمه، وسأل ربه أن يستغفر لها فلم يؤذن له، فزارها للعبرة. فإذا زار قبور الكفار للعبرة والتذكر، تذكر الآخرة فلا بأس، لكن لا يدعو لهم؛ لأن الكافر لا يستغفر له ولا يدعى له، وهكذا من مات على حال الجاهلية على كفر الجاهلية، كأم النبي -صلى الله عليه وسلم- ، ماتت على دين الجاهلية، فنهي أن يستغفر لها -عليه الصلاة والسلام-. فالحاصل أن زيارة القبور على هذا التفصيل، والاعتقاد في القبور على هذا التفصيل؛ من يعتقد فيها أنها تدعى من دون الله، وأنها يصلح أن تتخذ آلهة تعبد من دون الله، وتدعى من دون الله، ويستغاث بها، ويطاف بها كما يطاف بالكعبة للتقرب إلى أصحاب القبور، يذبح لأهلها فهذا شرك أكبر، وهذا عمل الجاهلية، ودين الجاهلية من قريش وغيرهم، فلا يصلى خلف صاحبه، ولا تؤكل ذبيحته؛ لأنه ليس بمسلم.
النوع الثاني: أن يعتقد في أهل القبور أنهم يزارون، وأنه يدعى لهم ويترحم عليهم من دون شد رحال، هذه زيارة شرعية؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: «زوروا القبور؛ فإنها تذكركم الآخرة» والأموات في حاجة إلى هذه الزيارة، يدعى لهم ويستغفر لهم، ويترحم عليهم، هذا أمر مشروع فعله النبي -صلى الله عليه وسلم- وأمر به.
النوع الثالث: أن يعتقد في القبور أن الصلاة عندها قربة ومفيدة، أو القراءة عندها، أو الدعاء عندها، هذا لا أصل له، هذا بدعة، لا تزار لأجل أن يدعى عندها، أو يصلى عندها، أو يقرأ عندها لا، هذا لا أصل له، بل هذا يكون في المساجد وفي البيوت، يصلي في المسجد، يقرأ في المسجد أو في بيته، يدعو في البيت أو في المسجد، هذا ليس من شأن القبور، القبور لا تزار لأجل هذا، لا تزار لأجل أن يجلس عندها للدعاء أو الصلاة عندها أو القراءة عندها، هذا ليس بمشروع، بل هو من البدع، ومن وسائل الشرك، نسأل الله للجميع التوفيق والهداية.
المصدر:
الشيخ ابن باز من فتاوى نور على الدرب(12/ 104- 109)

هل انتفعت بهذه الإجابة؟