الأربعاء 23 شوّال 1445 هـ

تاريخ النشر : 24-03-2020

حكم الجمعيات التعاونية

الجواب
ليس في هذا مانع شرعي، بل إن هذا من التعاون على البر والتقوى، وتحديد ذلك بمبلغ معين لا يضر؛ لأن المقصود به أن يكون هذا الصندوق منتظماً؛ إذ لو لم يقيد بمبلغ معين ما انضبط ولا حصل على المال الكافي. ولكن ينبغي أن يكون هذا المال المعين أن يكون بالنسبة لا بالقدر المعين، فيقال مثلاً يؤخذ من راتبٍ العشرُ، نصف العشر، ربع العشر. أما أن يقال على كل فرد مائة درهم مثلاً؛ لأن الدخل يختلف، فالأفضل أن يكون ذلك بالنسبة إلى ما يحصله المرء. ثم إنه ينبغي أن يجعل هذا عوناً لمن حصل عليه حادث؛ يعني حصل عليه ما لا يمكنه دفعه من فصل أو مرض أو ما أشبه ذلك، وأما أن يجعل معونة لمن حصل منه الحادث فهذا لا ينبغي؛ لأننا إذا وضعنا هذا الصندوق وجعلناه لكل من حصل عليه حادث أو منه حادث أوجب أن يتهور السفهاء ولا يبالون بالحوادث التي تقع منهم؛ لأنه حيث علم أن هناك صندوقاً يُؤَمِّنُ ما يلزمه من ضمان بسبب هذا الحادث فإنه لا يبالي سواء حدث منه الحادث أو لم يحصل. لهذا أقول: إن هذه الصناديق موجودة حتى في هذه البلاد السعودية، ولكن ينبغي أن تكون هذه الصناديق التعاونية معونة فيمن حصل عليه الحادث الذي يحاج إلى مساعدة مالية، لا من حصل منه الحادث للوجه الذي ذكرته وهو أن هذا يؤدي إلى التساهل والتهور وعدم المبالاة بالحوادث التي تقع من الإنسان. وأما قول السائل أنه إذا مات أحد من عائلته أعانوه فهذا في النفس منه شيء، ولا ينبغي أن يقيد ذلك بالموت؛ لأنه قد يموت أحدٌ من الأسرة ويخلف مالاً كثيراً يستغني به الإنسان عن المعونة، فالأولى أن يكون أمر المعونة مقيد بالحاجة لأي سبب كان حتى لا يحصل نزاع فيما بينهم، أو حتى لا تصرف الأموال في غير مستحقيها.
فضيلة الشيخ: هل نقيس على حالة الصندوق هذه ما تفعله بعض شركات التأمين الحالية من استحصال مبلغ معين من كل شخص يريد أن يؤمن مثلاً على بضاعته أو سيارته أو نحو ذلك؟
لا نقيسه على هذا، فإن شركات التأمين هذه لا شك أنها محرمة، وأنها من الميسر الذي قرنه الله تعالى بالخمر وعبادة الأصنام والاستقسام بالأزلام كما قال الله عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾[المائدة: 90] وذلك لأن هذا العقد ضرر كائن بين الغنم والغرم، وكل عقد هذه حاله فإنه من الميسر؛ إذ إن الإنسان يكون في حالة دائرة بين أن يكون غانماً أو غارماً، وأضرب لك مثلاً بأنه إذا كان عندي سيارة وأعطيت شركات التأمين مبلغاً من المال كل شهر مثلاً لنفرض أنه مائة ريال، فمعنى ذلك أنها ستطلب في السنة ألفا ومائتي ريال، قد يحدث حادث على سيارتي يستهلك خمسة آلاف ريال لإصلاحها، وحينئذ تكون الشركة غارمةً؛ لأنه أخذ منها أكثر مما بذل لها، وقد يكون الأمر بالعكس، قد تمضي السنة والسنتان والثلاثة ولم يحصل لسيارتي حادث، وحينئذ أكون أنا غارماً؛ لأنه أخذ مني مبلغاً من المال بغير حق، وهذا بعينه هو الميسر؛ لأنه يشبه الرهان الذي قد يكون الإنسان فيه غانماً وقد يكون فيه غارماً؛ ولأنه نفس ما قاله الرسول عليه الصلاة والسلام حيث نهى عن بيع الغرر، فإن هذا يشبهه إن لم يكن هو إياه. ثم إن في هذه التأمينات في الحقيقة إضراراً بالمجتمع وإخلالاً بالأمن؛ لأن هذا الذي قد أمن على حادث سيارته قد يؤديه هذا التأمين إلى التهور وعدم المبالاة بالصدم والحادث؛ لأنه يرى أنه مؤمن له، ولهذا ينبغي حفظاً لأمن المجتمع أن تمنع هذه التأمينات أو هذه الشركات. فالذي أرى في هذا أنه يجب على كل مؤمن أن يجعل اعتماده على ربه سبحانه وتعالى، وأن يبتعد عن المعاملات المحرمة؛ لأن هذا المال الذي بأيدينا هو عارية، إما أن يؤخذ منا ويتلف في حياتنا، وإما أن نؤخذ منه ونتلف ويبقى لغيرنا، فالواجب على المؤمن ألا يجعل المال غاية، بل يجعله وسيلة، وليتذكر دائماً قول الله عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أولادكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾[المنافقون: 9] وليتذكر دائماً قول الله عز وجل: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ﴾[المؤمنون: 99-100] ، أي لعلي أنفق مالي. من جملة ما يدخل في هذه الآية لعلي أنفق مالي الذي تركته فيما يقربني إلى الله من الأعمال الصالحة، فقال الله عز وجل: ﴿كَلا﴾ أي: عبارة أو بمعنى حقاً ﴿إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ [المؤمنون: 100] ، فنصيحتي للمسلم ألا يتشبه بالكفار الذين يجعلون المال غاية لا وسيلة، ويجعلون الدنيا مقراً؛ لأن مقر المؤمن هو دار الآخرة التي هي خير وأفضل وأعظم من هذه الدنيا بكثير كما قال الله تعالى: ﴿فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾[السجدة: 17] .
وليعلم أنه إذا اتقى الله عز وجل في عباداته ومعاملاته وأخلاقه وولايته التي ولي عليها من أهله من زوجات وغيرهم ليعلم أنه يتق الله عز وجل في ذلك فإن الله تعالى قد ضمن له -وهو لا يخلف الميعاد- أن يرزقه من حيث لا يحتسب: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً﴾[الطلاق: 2-3] ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً﴾[الطلاق: 4] . فأنت يا أخي المؤمن اصبر والرزق سيأتيك إذا سعيت له بالأسباب المشروعة غير المحظورة. وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: إنه ألقي في روعي إنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب. ونسأل الله تعالى أن يحمي المسلمين من الربا والميسر، وأن يسهل لهم معاملاتهم الطيبة التي يأكلونها رغداً هنيئاً لا تبغت عليهم في الدنيا ولا في الآخرة.
لكن قد يقول قائل: إذا ابتليت بهذا الأمر فقدمت إلى بلد أو كنت في بلد يرغموني على هذا التأمين فماذا أصنع؟ هل أعطل سيارتي مثلا وأستأجر أم ماذا أصنع؟
أقول في هذا: إنه إذا أرغمت على هذا التأمين فلا حرج عليك أن تدفع ما أرغمت عليه، ولكن إذا حصل عليك حادث فلا تأخذ منهم إلا مقدار ما دفعت، لا تأخذ منهم ما يكون بهذا الحادث إذا كان أكثر مما أعطيتهم، وبهذا تكون خرجت من التبعة؛ لأنك ظُلمت في هذا العقد المحرم الذي أجبرت عليه بدفع هذه الفلوس التي أجبرت على دفعها، فإذا ظلمت فإنك تأخذ قدر مظلمتك باختيارهم هم؛ لأنهم هم الذين سيدفعون إليك هذا بمقتضى العقد الذي أجبروك عليه، فلا أرى بأساً أن تأخذ منهم مقدار ما دفعت فقط على هذا الحادث الذي حصل لك، وإذا كان الحادث أقل مما دفعت فهم لم يعطوك إلا بقدر الحادث، وهذا لا بأس به، لا شك أنك ستأخذه.
المصدر:
الشيخ ابن عثيمين من فتاوى نور على الدرب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟