الأربعاء 23 شوّال 1445 هـ

تاريخ النشر : 23-03-2020

حكم الاجتماع للعزاء وإقامة الولائم وقراءة الفاتحة . .

الجواب
الاجتماع للعزاء بدعة مكروهة، وإذا حصل معه إطعام المجتمعين، وإقامة ولائم الطعام لحضور المعزين صار من النياحة، قال جرير بن عبد الله البجلي - رضي الله عنه-: كنا نعد وفي رواية نرى الاجتماع إلى أهل الميت وصنع الطعام بعد دفنه من النياحة.
ولم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم- ولا خلفاؤه الراشدون ولا أصحابه المهتدون - رضي الله عنهم- فيما نعلم يجتمعون لتلقي المعزين أبداً. غاية ما في الأمر أنه لما جاء نعي جعفر بن أبي طالب - رضي الله عنه- قال النبي - صلى الله عليه وسلم-: «اصنعوا لآل جعفر طعاماً، فقد أتاهم ما يشغلهم»، ولم يجتمع من آل جعفر، علي بن أبي طالب - رضي الله عنه- وهو أخوه، ولا النبي - صلى الله عليه وسلم- وهو ابن عمه، ولا أحد من أقاربه فيما نعلم، لم يجتمعوا إلى آل جعفر ليأكلوا من هذا الطعام.
ولا شك أن خير الهدي هدي النبي - صلى الله عليه وسلم-، وأن شر الأمور محدثاتها، والتعزية من العبادة، والعبادة لابد أن تكون على وفق ما جاءت به الشريعة، وقد صرح بعض أئمة العلم بأن الاجتماع بدعة، وصرح فقهاء الحنابلة رحمهم الله في كتبهم بأن الاجتماع مكروه، ومن العلماء من حرمه.
وإنك لتعجب في بعض البلدان، أنه إذا مات لهم الميت وضعوا السرادقات الطويلة العريضة، وعليها أنوار كبيرة كاشفة وغير كاشفة، والمقاعد، وهذا يخرج وهذا يدخل، كأنهم في وليمة عرس أو أشد. من قال هذا؟ من فعل هذا؟
أليس لنا في محمد - صلى الله عليه وسلم- أسوة حسنة؟ ولهذا نجى الله بعض البلاد من هذه البدعة المكلفة مالياً، المهلكة للزمن وقتياً، المتعبة للأبدان، حتى إنهم يأتون من أطراف البلاد إلى هذا الاجتماع. سبحان الله لو كان هذا مشروعاً على سبيل الوجوب، أو الاستحباب لرأيت أنه ثقيل على النفوس. لكن لما كان مما لم يأمر به الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم- صار هيناً على النفوس. فتجد الناس يأتون من بعيد ليجتمعوا عند أهل الميت.
أما ما ذكره السائل من قراءة الفاتحة، وسورة الإخلاص، وهذه الأذكار لا تزيد الأمر إلا شدة، ولا تزيده إلا بعداً من السنة، فهي بدعة.
فإذا قال قائل: فكيف نعزي الناس؟
ف التعزية ليست واجبة حتى نقول: لابد منها وأنها ضرورة، التعزية سنة، ولا تكون إلا للمصاب الذي نعلم أنه تأثر بموت هذا الميت، فنذهب إليه بدون ما يفتح الباب ويجمع الناس نذهب إليه إذا كان من أقاربنا الذي لابد أن نذهب إليهم، وأننا لو لم نذهب لقيل: هذا قاطع، نذهب إليه ونقول: اتق الله، واصبر واحتسب.
وأقول: نذهب إليه ليس على سبيل الاستحباب لكن خوفاً من معرة القطيعة، وإلا فها هو النبي - صلى الله عليه وسلم- أرسلت إليه إحدى بناته تخبره أن طفلاً لها، أو طفلة في سياق الموت، فجاء الرسول يخبر الرسول - صلى الله عليه وسلم- ويطلب منه أن يأتي فقال له الرسول - صلى الله عليه وسلم-: "مرها فلتصبر ولتحتسب فإن لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى".
ثم عاد الرسول إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أنها تلح عليه أن يأتي فذهب إليها الرسول - صلى الله عليه وسلم-، لكن لما اعتاد الناس أنه لابد للأقارب أن يأتوا ويعزوا أهل الميت صار ترك هذا قد يؤدي إلى القطيعة للرحم، ويكون الإنسان لوكاً للألسن فيذهب يدرأ عن نفسه مغبة الغيبة، فيكون إتيانه هنا لا على سبيل أنه تطوع به، ولكن على سبيل أنه درء للمفسدة فقط، بدون أن يكون هناك فتح باب، هذا يدخل وهذا يخرج، وإنما للقريب، القريب. فاذهب إلى البيت واستأذن، وادخل وتكلم معهم إذا رأيتهم تأثروا تأثراً كبيراً. أحياناً لا يتأثر أهل الميت للميت لأي سبب من الأسباب، وليس هذا موضع تمثيل بشيء، لكن أحياناً فعلاً لا تجدهم متأثرين للميت هؤلاء لا يعزون؛ لأن التعزية تقوية المصاب على تحمل المصيبة. وقد يكفي الهاتف في ذلك فيمن لا يرى من حقه أن تأتي إليه بنفسك كالأقارب القريبين الذين ذكرنا آنفاً.
هذا معنى التعزية ونسأل الله تعالى أن يهدينا وإخواننا المسلمين لما فيه الخير والصلاح اللهم آمين.
المصدر:
مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين(17/ 385 - 387)

هل انتفعت بهذه الإجابة؟