الأربعاء 23 شوّال 1445 هـ

تاريخ النشر : 24-03-2020

حكم الأكل والشرب مع أصحاب الكبائر

الجواب
ينبغي لمن عرف إنسانًا يشرب الخمر، أو أي شيء من المنكرات الأخرى أن ينصحه وأن يوجهه إلى الخير، ويرشد إلى ما أوجب الله عليه من ترك هذه المحرمات والقاذورات، فإن أصرَّ ولم يقبل النصيحة، فينبغي أن يهجر، وهجره سنة لعله يتوب، ولعله ينيب إلى الله -عزّ وجلّ-، كما هجر النبي -صلى الله عليه وسلم-الذين تخلفوا عن غزوة تبوك بغير عذر، وهم كعب بن مالك الأنصاري، وصاحباه هجرهم الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه خمسين ليلة، لما وقعت منهم هذه المعصية بدون عذر شرعي، وهي التخلف عن الغزو بعد أمر الرسول بذلك -عليه الصلاة والسلام-، واستنفاره الناس لغزوة تبوك، ومن هذا ومن أحاديث أخرى، أخذ العلماء شرعية هجر من أبدى المعاصي، وأظهرها، أو أظهر البدع، حتى قال ابن عبد القوي رحمه الله تعالى في منظومته المشهورة في الآداب:
وهجران من أبدى المعاصي سنة... وقد قيل إن يردعه أوجب وأكد
وقيل على الإطلاق ما دام معلنا... ولاقه بوجه مكفهر مربد
المقصود أن هجر من أظهر المعاصي، أو البدع سنة مؤكدة، قال بعض أهل العلم بأن ذلك واجب مطلقًا، وقال بعضهم: يجب إن حصل به الردع في البدع والمعاصي، فإن لم يحصل به الردع صار سنة لا واجبًا، وبكل حال، من أظهر شرب الخمر أو التدخين أو غير ذلك من المعاصي، كالزنا والربا وأشباه ذلك، فإنه يستحق أن يهجر بعد النصيحة، وبعد التوجيه والإرشاد؛ لأنه قد يكون جاهلاً لا يعلم تحريم هذه الأمور، ممن نشأ في بلاد بعيدة عن المسلمين، أو التبس عليه في ذلك، فدعوته ونصيحته فيها إقامة حجة، وفيها تذكيره بالله وتحذيره من مغبة هذه المعاصي، و «الدِّين النصيحة» كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-، فإذا أصر ولم يبال بالنصيحة، فإنه ينبغي أن يهجر، لكن إذا رأى المسلم أن هجره قد يزيده شرًا، ورأى أن يستمر معه بالنصيحة بين وقت وآخر، لا لمحبة ماله أو طعامه، ولكن لقصد نصحه وتوجيهه إلى الخير، ورحمته لعله ينيب إلى الله، ولعله يتوب، فلا حرج أن يكرر عليه النصيحة، ولو زاره لذلك، وإذا ترك أكل الطعام معه، ونحوه فهذا أنسب حتى لا يظنه جاء من أجل الطعام، فيتصل به للنصيحة والتوجيه، ويدع الأكل معه، ومجالسته التي ليس فيها مناصحة، حتى لا ينسب إليه أنه مقر للمنكر، وحتى لا يظن صاحب المنكر أنه راضٍ عنه، وأنه لا يرى إنكار هذا المنكر، والمؤمن يفعل ما هو الأصلح، ويجتهد في بيان ما هو الأصلح، وهو الأقرب للردع عن الباطل، وجلب الخير، هذا هو الذي ينبغي في هذا المقام، هو الهجر لمن أظهر المعاصي، وعدم مجالسته، وعدم مواكلته إلا إذا اقتضت المصلحة الشرعية أن يجالسه للنصيحة، ويكرر ذلك للنصيحة، والتوجيه، وأن هذا أصلح من هجره؛ لأن هجره يزيده شرًا، ويزيده بلاءً وشرورًا، وتماديًا في المعاصي، أو في إيذاء الناس، ودعوتهم إلى الشر، فإنه في هذه الحال تنبغي معاودته ومراجعته بالنصيحة، لعله يتوب ولعله ينيب.
المصدر:
الشيخ ابن باز من فتاوى نور على الدرب(18/374- 378)

هل انتفعت بهذه الإجابة؟