الأربعاء 23 شوّال 1445 هـ

تاريخ النشر : 26-03-2020

حكم اشتغال طلاب العلم بالقيل والقال

الجواب
ما ذكره السائل من أن البعض يخوضون في أشياء كثيرة، سواءً كان في أمور العامة، أو في العلماء، أو في الأمراء، أو في الدعاة، أو في المؤلفين، أو في أشياء كثيرة، وهذا الكلام الذي يخوض الناس فيه هو من الأمر الذي نهى عنه الرسول -عليه الصلاة والسلام-، فقد كان ينهى عن «قيل وقال وكثرة السؤال».
والمعنى؛ لقوله: (قيل وقال) النهي عن الكلام الذي ليس له أصل وليس ثابتاً، ومثاله: كان يقول قائل: والله سمعنا كذا وكذا، وقال فلان كذا، بدون تثبُّت.
ومعنى قوله: (وعن كثرة السؤال) النهي عن كثرة الأسئلة التي لا تتعلق بها مصلحة عامة أو خاصة.
ثم إنه -صلى الله عليه وسلم- نهى عن إضاعة المال، وإذا كان إضاعته سفه، فإضاعة الوقت أشد سفهاً، والوقت أغلى على الإنسان من المال، ويظهر ذلك إذا حضره الموت؛ علم أن الوقت أهم من المال؛ يقول الله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ﴾[المؤمنون: 99-100]، لم يقل: (ارجعون لأتمتع بالدنيا)، قال: ﴿لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ﴾ هذا المال الذي تركته وخلفته ردني إليه يا رب لعلي أعمل صالحاً فيه، قال تعالى: ﴿كَلاَّ﴾، يعني: لا رجوع، أو بمعنى: ﴿إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾.
فالاشتغال بالقيل، والقال وماذا طرأ على فلان وفلان، يوجب للطالب شيئين ليس أمرهما بالهين: الأول: أنه يصرفه عن الإقبال إلى الله؛ لأن قلبه يكون مشغولاً بأخبار الناس، وماذا قال فلان، وماذا قيل له، وماذا قيل عنه؟
فينصرف عن طاعة الله؛ لأن القلب إناءٌ، إذا امتلأ من شيء لم يحتمل الشيء الآخر، فلو ملأت إناء لبناً هل يمكن أن تضيف إليه ماءً؟ لا، ولو أضفنا إليه ماءً لساح، فكذلك القلب إذا تعلق بشيء فإنه يغفل عن الشيء الآخر.
قال الله -عزّ وجلّ-: ﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾[الكهف: 28].
الشيء الثاني: مما يحصل: يتتبع الأقوال وقيل وقال: أنه يحصل به الغفلة عما هو أهم، أو الانشغال عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعن مصالح كثيرة.
فنصيحتي لطلبة العلم: بألا يتشاغلوا بأمرٍ يُضيّع عليهم الأوقات وأن يتجهوا إلى التشاغل بالعلم والعمل به والدعوة إلى الله -عزّ وجلّ-، دون إعجاب بالنفس ودون احتقار للغير؛ لأن هذين داءان عظيمان: الإعجاب بالنفس والاحتقار للغير.
المصدر:
مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين(26/271)

هل انتفعت بهذه الإجابة؟