الأحد 20 شوّال 1445 هـ

تاريخ النشر : 24-03-2020

حكم إقامة الجماعة في الكلية

الجواب
هذه المسألة فيها للعلماء ثلاثة أقوال:
أحدهما: أن الواجب إقامة الجماعة في أي مكان سواء في المساجد، أو البيوت، أو المدارس، أو مكان العمل، أو غير ذلك.
والثاني: أن الواجب إقامتها في المساجد خاصة.
والثالث: أن الواجب إقامتها في المساجد إن كانت قريبة وإلا فلا.
وهذه الأقوال عند القائلين بوجوب الجماعة.
وظاهر الأدلة يشهد للقول الثاني وهو أن الواجب إقامتها في المسجد إلا لعذر، كبعد يشق معه حضور الجماعة، وكإخلال في العمل كما يتعلل به من يقيمون الجماعة في محل أعمالهم بحجة أنهم لو خرجوا إلى المساجد لفات من العمل، أو تخلف بعض الموظفين فلم يرجعوا أو نحو ذلك مما يقال.
ويدل على ذلك: 1. ما أخرجه البخاري ص131 ج- 2 فتح ط السلفية عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «صلاة الرجل في الجماعة تضعف على صلاته في بيته وسوقه خمساً وعشرين ضعفاً، وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء، ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة» وذكر تمام الحديث، فتأمل قوله - صلى الله عليه وسلم - «خرج إلى المسجد» فدل على أن الجماعة هي جماعة المسجد، وأخرج ص141 من الجزء المذكور من حديثه أيضاً - صلى الله عليه وسلم - «ثم آخذ شعلاً من نار، فأحرق على من لا يخرُجُ إلى الصلاة بعدُ». فتأمل قوله: «على من لا يخرج إلى الصلاة».
2. ما أخرجه ص 156 من الجزء المذكور عن ابن عمر أنه أذن بالصلاة في ليلة ذات برد وريح ثم قال: ألا صلوا في الحال، ثم قال «إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يأمر المؤذن إذا كانت ليلة ذات برد ومطر يقول: ألا صلوا في الرحال». فخص الإذن الصلاة في الرحال، وعمومه ولو جماعة بما إذا كانت الليلة ذات برد ومطر فدل على وجوب حضور الجماعة في المسجد إذا لم يكن عذر. وحديث «إذا صليتما في رجالكما، ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم» لا يدل على جواز إقامة الجماعة في الرحل مطلقاً لجواز أن يقيمها في الرحل خوفاً من فوات جماعة المسجد أو غير ذلك، وعلى كل حال فهو في محل احتمال واشتباه فلا يعارض به المحكم.
3. ما رواه مسلم ص 490 - 491 تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: «جمع النبي - صلى الله عليه وسلم - بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة في غير خوف ولا مطر». وجه الدلالة منه أن الصلاة في غير وقتها لا تجوز والجمع بينها وبين الأخرى إخراج لها عن وقتها، ومن الممكن تلافيه إذا صلى الناس في بيوتهم جماعة أو فرادى، فلولا وجوب الحضور للمسجد لفعل الجماعة فيه ما جاز الجمع الذي يتضمن إخراج الصلاة عن وقتها.
4. ما رواه البخاري ص 519 ج- 1 فتح ط السلفية عن محمود بن الربيع أن عتبان بن مالك قال: «يا رسول الله قد أنكرت بصري وأنا أصلي لقومي، فإذا كانت الأمطار سال الوادي الذي بيني وبينهم لم أستطع أن آتي مسجدهم فأصلي بهم» وذكر الحديث. وجه الدلالة منه أنه لو لم يكن حضور المسجد واجباً لأمكنه أن يقيم الجماعة في بيته، لاسيما على قول من يقول بانعقاد الجماعة بالأنثى فيمكنه أن يقيمها بأهله في بيته.
5. ما رواه البخاري ص 74 ج- 5 فتح ط السلفية عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم أخالف إلى المنازل قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم»، ولم يفرق النبي - صلى الله عليه وسلم - بين ما إذا صلوها في منازلهم جماعة أو فرادى.. ورواه أبو داود ص 130 ج 1ط الحلبي وفيه «ثم آتي قوم يصلون في بيوتهم، ليست بهم علة فأحرقها عليهم». وظاهر كانوا يصلون جماعة.
6. ما رواه مسلم ص 452 تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - رجل أعمى فقال: يا رسول الله، إني ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يرخص له فيصلي في بيته فرخص له، فلما ولى دعاه فقال - صلى الله عليه وسلم - «هل تسمع النداء ؟» قال: نعم قال - صلى الله عليه وسلم - «فأجب». ولو كانت الجماعة في البيت مجزئه لأرشده إليها لأنها أهون عليه وأسهل.
7. ما رواه مسلم ص 453 الكتاب المذكور عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال «إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علمنا سنن الهدى، وإن من سنن الهدى الصلاة في المسجد الذي يؤذن فيه» وفي رواية «ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور، ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة، ويرفعه بها درجة، ويحط عنه بها سيئة، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق. ولقد كان الرجل يؤتي به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف».
في رواية أبي داود ص 130 ج- 1 ط الحلبي «وما منكم من أحد إلا وله مسجد في بيته ولو صليتم في بيوتكم، وتركتم مساجدكم تركتم سنة نبيكم - صلى الله عليه وسلم».
فهذه الأدلة الأثرية تؤيدها الأدلة النظرية: فإن صلاة الجماعة لو لم تجب في المساجد لفاتت بها مصلحة هامة: من إظهار الشعائر واجتماع المسلمين، والتعارف بينهم، وهداية ضالهم، وتقويم معوجهم، وحصل بذلك مفاسد كبيرة: من تعطيل المساجد، وتفريق المسلمين، وفتورهم عن الصلاة، وغير ذلك لمن يتأمل.
وقال الإمام أحمد - رحمه الله - في رسالة الصلاة ص 373 مجموعة الحديث ط السلفية: وأمروا رحمكم الله بالصلاة في المساجد من تخلف عنها، وعاتبوهم إذا تخلفوا عنها، وأنكروا عليهم بأيديكم، فإن لم تستطيعوا فبألسنتكم، واعلموا أنه لا يسعكم السكوت عنهم؛ لأن التخلف عن الصلاة من عظيم المعصية، ثم ذكر الحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - وقال: فلو لا أن تخلفوا عن الصلاة في المسجد معصية كبيرة عظيمة ما تهددهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بحرق منازلهم، ثم ذكر أثر عمر في المتخلفين وقوله: ليحضرن المسجد أو لأبعثن إليهم من يجافي رقابهم. ا. هـ .
وقال الإمام الشافعي - رحمه الله - في الأم ص 154 ج 1 ط دار المعرفة: فلا أرخص لمن قدر على صلاة الجماعة في ترك إتيانها إلا من عذر. ا . هـ .
وقال ابن قيم - رحمه الله - في كتاب الصلاة له ص 461 مجموعة الحديث ط السلفية: ومن تأمل السنة حق التأمل تبين له أن فعلها في المساجد فرض على الأعيان إلا لعارض يجوز معه ترك الجمعة والجماعة فترك حضور المسجد لغير عذر كترك أصل الجماعة لغير عذر، وبهذا تتفق جميع الأحاديث والآثار، ثم ذكر خطبة عتاب بن أسيد في أهل مكة بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم - وقوله: يا أهل مكة والله لا يبلغني أن أحداً منكم تخلف عن الصلاة في المسجد في الجماعة إلا ضربت عنقه، ثم قال ابن قيم: فالذي ندين الله به أنه لا يجوز لأحد التخلف عن الجماعة في المسجد إلا من عذر ا. هـ . كلامه.
وقال المجد في المحرر ص 91 - 92 ج 1 ط السنة المحمدية: وفعلها في المسجد فرض كفاية، وعنه فرض عين، قال في النكت عليه: وزاد غير واحد على أنها فرض عين على القريب منه، وقطع به في الرعاية ودليل هذا واضح. ا. هـ .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى ص 225 مج 23 مجموع ابن قاسم: والمقصود هنا أن أئمة المسلمين متفقون على أن إقامة الصلات الخمس في المساجد هي من أعظم العبادات وأجل القربات. ا. هـ .
أما ابن حزم فإنه يرى أنها لا تجزئ صلاة فرض من رجل يسمع الأذان إلا في المسجد مع الإمام، فإن كان لا يسمع الأذان صلى جماعة في مكانه إن وجد أحداً، وإلا أجزأته الصلاة وحده، صرح بذلك في المحلى ص 188 ج 4 ط المنيرية.
هذا ما تيسرت كتابته على سؤالكم نرجو الله تعالى أن يكون فيه البيان والشفاء إنه جواد كريم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. حرر في 21/1/1401هـ .
المصدر:
مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين(15/76- 82)

هل انتفعت بهذه الإجابة؟