الأربعاء 23 شوّال 1445 هـ

تاريخ النشر : 24-03-2020

حكم إعادة الجماعة في المسجد الواحد بعد الجماعة الأولى

الجواب
إعادة الجماعة في المسجد الواحد بعد الجماعة الأولى تقع على وجهين:
الوجه الأول: أن يكون ذلك معتاداً بحيث يكون في المسجد إمامان إذا صلى أحدهما صلى الثاني بعده فهذا منكر؛ لأنه يؤدي إلى تفريق الجماعة فيشبه مسجد ضرار، فإن في مسجد الضرار تفريقاً بين المؤمنين في المكان، وهذا تفريق بينهم في الزمان؛ ولأن ذلك من البدع التي لم تكن معروفة في عهد سلف الأمة.
الوجه الثاني: أن يكون ذلك لعارض مثل أن يدخل جماعة، وقد انتهت الجماعة الأولى، فالأفضل أن يصلوا جماعة ولا يتفرقوا لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : «صلاة الرجل مع الرجل، أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل وما كان أكثر فهو أحب إلى الله».
وهذا عام في الجماعة الأولى والثانية التي أقيمت لعارض، ويؤيد العموم ما رواه أحمد وأبو داود و الترمذي وجماعة من حديث أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – أن رجلاً دخل المسجد وقد صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأصحابه فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - «من يتصدق على هذا فيصلي معه» فقام رجل من القوم فصلى معه ، فقد حث النبي - صلى الله عليه وسلم - على أن يقوم معه من يصلي لتحصل الجماعة لهذا الداخل، مع أن القائم معه قد أدى الفريضة، فإذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - حث من أدى الفريضة أن يقوم مع هذا الداخل، فهل يقول قائل: إنه لو دخل رجلان فلا يشرع لهما أن يصليا جمعياً ؟ !
هذا من أبعد ما يقال، والشريعة الإسلامية لكمالها والتئامها لا يمكن أن تأتي بمشروعية شيء، وتدع ما كان مثله أو أولى منه.
فالجماعة أقيمت مرتين في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بإقراره بل بأمره، لكن كانت الثانية عارضة، فلو كان فيها مفسدة لم يكن فرق بين أن يكون الواحد من الجماعة متطوعاً أم مفترضاً، بل المفترض أولى أن يقيم الجماعة؛ لأنه لا يحصل منه شيء من المنة على الثاني؛ لأن كل واحد منهما انتفع بالآخر بحصول الجماعة لهما في فرضيتهما.
وقد جاءت الآثار عن الصحابة - رضي الله عنهم - مؤيدة لذلك فروى ابن شيبة في مصنفه عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أنه دخل المسجد وقد صلوا فجمع بعلقمة ومسروق والأسود ذكره صاحب الفتح الرباني، وقال: إسناده صحيح.
وروى ابن شيبة أيضاً عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أنه دخل المسجد وقد صلوا فصلى بمن معه من جماعة، قال في المغني (وهو قول ابن مسعود، وعطاء، والحسن، والنخعي، وقتادة، وإسحاق) ا. هـ . وهو مذهب الإمام أحمد -رحمه الله - وعليه تدل الأدلة كما سبق، وبها يعرف ضعف القول بعدم مشروعية إقامة الجماعة لمن فاتتهم مع الإمام الراتب، وقد علل الشيرازي صاحب المهذب كراهة الجماعة الثانية بأنه ربما اعتقد أنه قصد الكياد والإفساد، وهذا التعليل إنما ينطبق على من جعل ذلك أمراً معتاداً وهو الوجه الأول الذي ذكرناه، وأما إذا كان ذلك عارضاً فإنه لا ينطبق عليه ذلك، والله أعلم. في 16/3/1406هـ .
المصدر:
مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين(15/93¬-95)

هل انتفعت بهذه الإجابة؟