الأحد 20 شوّال 1445 هـ

تاريخ النشر : 23-03-2020

حكم إخبار أهل الأرصاد بما سيحدث وإنزال المطر الصناعي وتحديد جنس المولود..لا يتعارض مع استئثار الله تعالى بعلم الغيب

السؤال
السؤال السادس والعشرون من الفتوى رقم(18612)
قال تعالى: ﴿قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ﴾[النمل: 65]، ونحن على يقين أن الغيب لا يعلمه إلا الله وأن هذه من عقيدة المؤمن، ولكنا في زمن التلبيس والتزين، ويخرج علينا من يقول طاعنا: إن المطر يمكن معرفة مواعيد نزوله بواسطة علم الإرصاد الجوي، بل ويمكن نزول المطر صناعيا بواسطة التقنيات الحديثة، أما ما في الأرحام فقد صار من البسيط في علم طب التوليد معرفة نوع الجنين بواسطة الموجات الصوتية، كذلك صار من الممكن تحديد نوع المولود (ذكر أو أنثى) حسب طلب الوالدين في عملية التلقيح الصناعي خارج رحم الأم، يقولون: هذا لا يتعارض مع الآية والحديث (في اعتقادنا أن التعارض في فهمنا لا غير)، لكننا ننتظر توضيحا علميا من سماحتكم يعيننا ويزيل الالتباس، أما الآية فهي 34 من سورة لقمان، وأما الحديث: «مفاتيح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله: لا يعلم أحد ما يكون في غد ولا يعلم أحد ما يكون في الأرحام، ولا تدري نفس ماذا تكسب غدا، وما تدري نفس بأي أرض تموت، وما يدري أحد متى يجيء المطر» (جواهر البخاري)
الجواب
أولا: توقعات أهل الأرصاد الجوية لا تخرج عن الحدس والظن، والجميع يعلم عدم وقوع كثير مما يتوقعونه، فهم يستدلون بما يرونه في طبقات الجو، مع النظر في الأحوال الأرضية، ويتوقعون وقوع كذا وكذا، وقد يقع وقد لا يقع، وليس هذا من علم الغيب الذي استأثر الله به، ولذا فإن الشخص إذا رأى شيئا في الأفق وتوقع منه حصول شيء كالرياح أو غيرها فلا يعتبر هذا من علم الغيب؛ لأنه استدل بهذه الظواهر التي أطلعها الله للناس على قرب وقوع الأشياء، كأمارات بدو الصلاح أو الفساد في الثمار وغيرها، وعلماء الأرصاد فيما ذكر على مثل هذا ينظرون في المراصد ويتوقعون، فإن صدق قولهم فبما أطلعهم الله عليه من الظواهر والبوادر، وإن لم يصدق قولهم، فلأن تلك الظواهر لم تكن على ما حللوه من خبرها.
ثانيًا: ما يسمى بـ: (المطر الصناعي) لم يثبت حسب علمنا أنه على ما يذكر عنه، بل الأمر مبالغ فيه، وأمره والحمد لله لا يشكل، وذلك أن الله أطلعهم على أن المطر يحدث بقدرة الله بتفاعل أشياء، فهم يعمدون إلى عملها، وقد يحدث حصول بعض الأمر وقد لا يحدث، وإن حدث فهو في حيز ضيق، وليس كالمطر الذي ينزله الله تعالى من السحاب؛ ولذا نعلم كما يعلم غيرنا أن الدول التي تعمد إلى تجربة ما يسمى بـ: (المطر الصناعي) لا تستفيد منه، وإذا لم ينزل الله تعالى عليها المطر من السماء عاشت في قحط وفقر.
ثالثًا: تحديد جنس الجنين في بطن الأم بواسطة الموجات الصوتية سبق ورود سؤال مماثل، فأجابت اللجنة الدائمة. مما نصه: (الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه وبعد: ثبت في الأحاديث الصحيحة أن مفاتيح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله، وأنها المذكورة في الآية المسؤول عنها، من ذلك ما رواه البخاري عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: «مفاتيح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله: ﴿إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾»[لقمان: 34]، وفي رواية له عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: «مفاتيح الغيب خمس، ثم قرأ: ﴿إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ﴾» رواه الإمام أحمد عنه، وعن ابن مسعود بمعناه، وروي من طرق أخرى تؤيد ما دلت عليه الآية، ومعنى الآية أن الله تعالى استأثر بعلم الساعة فلا يجليها لوقتها إلا هو، فلا يعلمها لميقاتها ملك مقرب ولا نبي مرسل، وقد أعلمهم الله بأماراتها ولا يعلم متى ينزل الغيث ولا في أي مكان ينزل إلا الله، وقد يعرف ذلك أهل الخبرة عند وجود الأمارات وانعقاد الأسباب علما تقريبيا إجماليا يشوبه شيء من التخمين، وقد يتخلف، وقد اختص سبحانه أيضا بعلم ما في الأرحام تفصيلا من جهة تخلقه وعدم تخلقه، ونموه وبقائه لتمام مدته، وسقوطه قبلها حيا أو ميتا، وسلامته وما قد يطرأ عليه من آفات دون أن يكسب علمه بذلك من غيره، أو يتوقف على أسباب، فإن مقدر الأسباب وموجدها عليم لا يتخلف ولا يختلف عنه الواقع، وهو الله سبحانه، وقد يطلع المخلوق على شيء من أحوال ما في الأرحام من ذكورة أو أنوثة أو سلامة، أو إصابته بآفة أو قرب ولادة، أو توقع سقوط الحمل قبل التمام، لكن ذلك بتوفيق من الله إلى أسباب ذلك من كشف بأشعة لا من نفسه ولا بدون أسباب، وذلك بعد ما يأمر الله الملك بتصوير الجنين، ولا يكون شاملا لكل أحوال ما في الرحم، بل إجمالا في بعضه، مع احتمال الخطأ أحيانا، ولا تدري نفس ماذا تكسب غدا من شؤون دينها ودنياها، فهذا أيضا مما استأثر الله بعلمه تفصيلا، وقد يتوقع الناس كسبا أو خسارة على وجه الإجمال، مما يبعث فيهم أملا وإقداما على السعي وخوفا وإحجاما بناء على أمارات وظروف محيطة بهم، فكل هذا لا يسمى علما، وكذا لا تدري نفس بأي أرض تموت في بر أو بحر، في بلدها أو بلد آخر، إنما يعلم تفصيل ذلك الله وحده، فإنه سبحانه له كمال العلم والإحاطة بجميع الشؤون علنها وغيبها ظاهرها وباطنها، وجملة القول: إن علم الله من نفسه غير مكتسب من غيره ولا متوقف على أسباب وتجارب، وأنه يعلم ما كان وما سيكون، وأنه لا يشوب علمه غموض ولا يتخلف، وأنه عام شامل لجميع الكائنات تفصيلا جليلها ودقيقها، بخلاف غيره سبحانه. والله المستعان.
وبناء على ما سبق يتبين أن ما يقال عن هذه الأمور كلها لا يتعارض مع استئثار الله تعالى بعلم الغيب والحمد لله.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
المصدر:
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء(1/239-244)المجموعة الثانية
بكر أبو زيد ... عضو
صالح الفوزان ... عضو
عبد العزيز آل الشيخ ... نائب الرئيس
عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الرئيس

هل انتفعت بهذه الإجابة؟