الأربعاء 23 شوّال 1445 هـ

تاريخ النشر : 24-03-2020

ترغب في أن تصبح داعية إلى الله، فكيف تحقق أمنيتها؟

الجواب
على من أراد أن يصبح داعية إلى الله -عزّ وجلّ- أن يتعلم
أولاً: إلى ماذا يدعو لأن الإنسان قد يدعو إلى الله تعالى عن جهل فيكون إفساده أكثر من إصلاحه يفعل ذلك لا عن عمد وإرادة سوء لكن لجهله يظن أنه عالم فيتفوه بما لا يعلم وحينئذ يقع في الإثم أولا ثم في إضلال الناس ثانيا أما وقوعه في الإثم فلقوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ﴾[الأعراف: 33] ولقوله تعالى: ﴿وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً﴾[الإسراء: 36].
وأما إضلال الناس فلأنه قد يدعوهم إلى محرم وهو لا يدري أنه محرم فقد يبيح لهم ما حرم الله وقد يوجب عليهم ما لم يوجبه الله فلابد لكل داعية إلى الله -عزّ وجلّ- من أن يكون عالما بما يدعو إليه
ثانيا: لابد أن يكون مخلصا في دعوته إلى الله بأن يقصد بدعوته إصلاح الخلق وامتثال أمر الله تعالى بقوله: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾[المائدة: 2]. وحصول الدين الحقيقي؛ لقول النبي-صلى الله عليه وسلم-: «الدِّين النصيحة الدِّين النصيحة الدِّين النصيحة»، قلنا لمن يا رسول الله. قال: «لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم» دون أن يقصد بالدعوة إلى الله الانتصار لنفسه أو إطفاء لهيب الغيرة الذي في قلبه لأن هذا قد يقع من بعض الناس لكن لاشك أن نية الإصلاح والنصيحة لعباد الله هي الطريق الأسلم والأوفر ولابد للداعية أيضا من أن يكون حكيما في دعوته بحيث ينزل كل إنسان منزلته ولهذا قال الله -عزّ وجلّ-: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾[النحل: 125]، فذكر الله تعالى ثلاثة أشياء الحكمة وهي بيان الحق وإيضاحه والاطلاع على محاسن الدين الإسلامي ثم بالموعظة إذا لم ير قبولا ممن دعاه يعظه الموعظة الحسنة التي تلين قلبه وترققه وتوجب الانصياع لما دعوته إليه والثالث المجادلة بالتي هي أحسن وذلك فيما إذا كان المدعو معانداً مجادلا فلابد أن يجادل بالتي هي أحسن. أحسن في عدة أمور أولا من حيث العرض فيكون المجادلة بالأدلة النقلية من كتاب الله وسنة رسوله أو الأدلة العقلية التي تؤيد ما جاء في الكتاب والسنة وكذلك يكون من حيث الإقناع بمعنى أن يأتي بالأدلة الواضحة التي لا تحتمل المعارضة دون الأدلة التي قد يعارض فيها المجادل ولهذا لما حاج الرجل الكافر إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- فقال له إبراهيم: ﴿رَبِّي الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ﴾[البقرة: 258] فعدل إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- عن مناقشته في هذا الأمر وقال له: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنْ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنْ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ﴾[البقرة: 258] وعجز عن الرد فلا ينبغي للمجادل أن يسلك طريقا يحتمل الأخذ والرد بل يسلك الطريق الذي يكون قاصم الظهر لا مكان للمحاجة فيه وثالثا أن تكون مجادلته بالتي هي أحسن إذا كان المقام يقتضي ذلك فإن كان لا يقتضي ذلك فليجادل بوجه آخر ولهذا قال الله تعالى: ﴿وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ﴾[العنكبوت: 46] فجعل للذين ظلموا مرتبة فوق مرتبة الذين يجادلون بدون ظلم والمهم أن الداعية إلى الله لابد أن يكون عنده علم بهذه الأمور التي أشرنا إليها ثم إذا كان الأمر يتوقف على مراجعة المسؤولين في هذا حتى لا ينفرط السلك وتحصل الفوضى فليكن ذلك بعد مراجعة المسؤولين لئلا يقع الإنسان في محظور فيندم على ذلك.
المصدر:
الشيخ ابن عثيمين من فتاوى نور على الدرب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟