الأربعاء 23 شوّال 1445 هـ

تاريخ النشر : 24-03-2020

الطريقة المثلى للدعوة إلى الله

الجواب
الله -عزّ وجلّ- قد بيّن طريق الدعوة، وماذا ينبغي للداعي، فقال سبحانه وتعالى: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾[يوسف: 108] فالداعي إلى الله يجب أن يكون على علم وعلى بصيرة، فيما يدعو إليه وفيما ينهى عنه، حتى لا يقول على الله بغير علم، ويجب الإخلاص في ذلك، لأن الله قال: ﴿إِلَى اللَّهِ﴾، ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ﴾، لا إلى مذهب ولا إلى رأي فلان أو فلان، ولكنه يدعو إلى الله، يريد ثوابه، يريد مغفرته، يريد صلاح الناس، فلا بد أن يكون عن إخلاص، ولا بد أن يكون عن علم، وقال -عزّ وجلّ-: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾[النحل: 125] هذا بيان كيفية الدعوة، وأنها تكون بالحكمة أي بالعلم: قال الله، قال رسوله، سمَّى العلم حكمة؛ لأنه يردع عن الباطل، ويعين على إثبات الحق، ويكون مع العلم موعظة حسنة، وجدال بالتي هي أحسن عند الحاجة إلى ذلك، بعض الناس قد يكفيه بيان الحق بأدلته؛ لأنه يطلب الحق ومتى ظهر له قبله، وقد يكون في غير حاجة إلى الموعظة، وبعض الناس قد يكون عنده شيء من التوقف، شيء من الجفاء، فيحتاج إلى موعظة، فالداعي إلى الله يعظ ويقيم الأدلة، ويذكر إذا احتاج إلى ذلك، مع الجفاة ومع الغافلين ومع المتساهلين، حتى يقتنعوا وحتى يلتزموا بالحق، وقد يكون المدعو عنده شيء من الشبه، فيجادل في ذلك، ويريد كشف الشبهة، فالداعي إلى الله يوضح له الحق، بأدلته ويزيح الشبه بالأدلة الشرعية؛ لكن بكلام طيب وبالأسلوب الحسن وبرفق، لا بعنف وشدة، حتى لا يبقى للمبطل أو للمنهي أو للمدعو شبهة، يزيلها حسب الطاقة، قال الله -عزّ وجلّ-: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾[آل عمران: 159]، وقال الله لما بعث موسى وهارون إلى فرعون: ﴿فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾[طه: 44]، ويقول -صلى الله عليه وسلم-: «إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه» ويقول -صلى الله عليه وسلم-: «من يحرم الرفق يحرم الخير كله» فعلى الداعي إلى الله، عليه أن يتحرى ويرفق ويجتهد في الإخلاص لله، وفي علاج الأمور بالطريقة التي رسمها الله، بالحكمة والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن، وأن يكون في هذا كله على علم، وعلى بصيرة، وعلى هدى، حتى يقنع الطالب للحق، وحتى يزيل الشبهة لمن عنده شبهة، وحتى تلين القلوب لمن عنده جفاء، أو قسوة أو إعراض، يلين القلوب بالدعوة إلى الله، والموعظة الحسنة، والتوجيه إلى الخير، وبيان ما له عند الله من الخير إذا قبل الحق، وما عليه من الخطر إذا رد الحق، إلى غير هذا من وجوه الموعظة.
وأما أصحاب الحسبة، الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، فكذلك يجب أن يلزموا الآداب الشرعية، وفيما يلتزمه الداعية إلى الله، عليه بالرفق، وعدم العنف، إلا إذا دعت الحاجة إلى هذا، من الظلمة والمكابرين والمعاندين، أما عندهم فمثل ما للداعي، ينكر المنكر بالرفق والحكمة، ويأمر بالمعروف بالرفق والحكمة، ويقيم الأدلة على ذلك حتى يقنع صاحب المنكر، وحتى ينتبه وحتى يلتزم بالحق، وذلك على حسب الاستطاعة، كما قال عليه الصلاة والسلام: «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان» رواه مسلم والله يقول سبحانه: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾[التوبة: 71] ويقول سبحانه: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾[آل عمران: 104] ويقول سبحانه: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾[آل عمران: 110] وقد توعد سبحانه من ترك ذلك، وأعرض عن ذلك، ولعنهم على لسان داود وعيسى ابن مريم، بسبب عصيانهم واعتدائهم، وعدم تناهيهم عن المنكر، حيث قال سبحانه في كتابه العظيم في سورة المائدة: ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾[المائدة: 78-79] فالأمر عظيم، فيجب على أهل الإيمان، وعلى أهل القدرة من الولاة والعلماء وغيرهم، من أعيان المسلمين الذين عندهم قدرة، وعندهم علم أن ينكروا المنكر، وأن يأمروا بالمعروف، وليس هذا خاصًا بطائفة معينة، وإن كانت الطائفة المعينة عليها واجبها، وعليها العلم الأكبر، لكن لا يلزم من ذلك إهمال غيرها، بل يجب على غيرها أن يساعدوها، وأن يكونوا معها في إنكار المنكر والأمر بالمعروف، حتى يكثر الخير، ويقل الشر، ولا سيما إذا كانت الطائفة المعينة لم تغط المطلوب، ولم يحصل بها المقصود، بل الأمر أوسع والشر أكثر، فإن مساعدتها واجبة بكل حال، أما لو قامت بالمطلوب وحصل بها الكفاية، فهذا معلوم بأنه فرض كفاية، فإذا حصل بالمعينين أو بالمتطوعين المسؤولين المطلوب، من إزالة المنكر والأمر بالمعروف، صار في حق الباقين سنة، أما وجود منكر ليس له من يزيله إلا أنت، لأنك الموجود في القرية، أو في القبيلة، أو في الحي ليس فيهم من يأمر بالمعروف سواك، فإنه يتعين عليك إنكار المنكر، والأمر بالمعروف ما دمت أنت الذي علمته، وأنت الذي تستطيع إنكاره، فإنه يلزمك، فمتى وجد معك غيرك، صار فرض كفاية، من قام به منكما أو منكم، حصل به المقصود، فإن تركتم ذلك جميعًا، أثمتم جميعًا؟ فالحاصل أنه فرض على الجميع، فرض كفاية متى قام به من المجتمع، أو من القبيلة أو من القرية أو من المدينة من يكفي، سقط عن الباقين، وهكذا الدعوة إلى الله ومتى تركها الجميع أثموا، وصار الإثم عامًا لهم؛ لأنهم قصروا في الواجب، ولم يقوموا به، ومتى قام به من يكفي دعوةً وتوجيهًا وإنكارًا للمنكر، صار في حق الباقين سنة عظيمة؛ لأن المشاركة في الخير مطلوبة.
المصدر:
الشيخ ابن باز من فتاوى نور على الدرب(18/309- 314)

هل انتفعت بهذه الإجابة؟