الأربعاء 23 شوّال 1445 هـ

تاريخ النشر : 24-03-2020

الأخطاء الواقعة في رمي الجمار

الجواب

ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه رمى جمرة العقبة وهي الجمرة القصوى التي تلي مكة بسبع حصيات، ضحى يوم النحر، يكبر مع كل حصاة منها، مثل حصا الخذف، أي فوق الحمص قليلاً.
وفي "سنن النسائي" من حديث الفضل بن عباس - رضي الله عنهما - وكان رديف النبي - صلى الله عليه وسلم - من مزدلفة إلى منى- قال: فهبط- يعني النبي - صلى الله عليه وسلم- محسراً وقال: «عليكم بحصا الخذف الذي ترمى به الجمرة»، قال: والنبي - صلى الله عليه وسلم - يشير بيده كما يخذف الإنسان.
وفي "مسند الإمام أحمد" عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال يحيى: لا يدري عوفٌ عبد الله أو الفضل: قال: "قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غداة العقبة وهو واقف على راحلته: «هاتِ القطْ لي»، قال: فلقطت له حصيات هن حصا الخذف، فوضعهن في يده قال: «بأمثال هؤلاء» مرتين، وقال بيده فأشار يحيى أنه رفعها وقال: «إياكم والغلو فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين».
وعن أم سليمان بن عمرو بن الأحوص - رضي الله عنها- قالت: "رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يرمي جمرة العقبة من بطن الوادي يوم النحر، وهو يقول: «يا أيها الناس لا يقتل بعضكم بعضاً، وإذا رميتم الجمرة فارموها بمثل حصا الخذفِ»"؛ رواه أحمد.
وفي "صحيح البخاري" عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أنه كان يرمي الجمرة الدنيا بسبع حصيات يكبر على إثر كل حصاة ثم يتقدم حتى يسهل فيقوم مستقبل القبلة فيقوم طويلاً ويدعو ويرفع يديه، ثم يرمي الوسطى، ثم يأخذ ذات الشمال فيسهل ويقوم مستقبل القبلة فيقوم طويلاً، ويدعو ويرفع يديه، ثم يرمي جمرة العقبة من بطن الوادي، ولا يقف عندها، ثم ينصرف فيقولُ: هكذا رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يفعله.
وروى أحمد وأبو داود عن عائشة - رضي الله عنها- أن النبي قال: «إنما جُعل الطواف بالبيت وبالصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله».
والأخطاء التي يفعلها بعض الحجاج هي:
1- اعتقادهم أنه لابد من أخذ الحصا من مزدلفة فيتعبون أنفسهم بلقطها في الليل واستصحابها في أيام منى حتى إن الواحد منهم إذا أضاع حصاة حزن حُزناً كبيراً، وطلب من رفقته أن يتبرعوا له بفضل ما معهم من حصا مزدلفة.
وقد عُلم مما سبق أنه لا أصل لذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وأنه أمر ابن عباس - رضي الله عنهما - بلقط الحصا له وهو واقف على راحلته، والظاهر أن هذا الوقوف كان عند الجمرة، إذ لم يُحفظ عنه أنه وقف بعد مسيره من مزدلفة قبل ذلك، ولأن هذا وقت الحاجة إليه فلم يكن ليأمر بلقطها قبله لعدم الفائدة فيه وتكلف حمله.
2- اعتقادهم أنهم برميهم الجمار يرمون الشيطان، ولهذا يُطلقون اسم الشياطين على الجمار، فيقولون: رمينا الشيطان الكبير أو الصغير أو رمينا أبا الشياطين يعنون به الجمرة الكبرى جمرة العقبة، ونحو ذلك من العبارات التي لا تليق بهذه المشاعر.
وتراهم أيضاً يرمون الحصا بشدة وعنف وصراخ وسب وشتم لهذه الشياطين على زعمهم حتى شاهدنا من يصعد فوقها يبطش بها ضرباً بالنعل والحصا الكبار بغضب وانفعال! والحصا تصيبه من الناس، وهو لا يزداد إلا غضباً وعنفاً في الضرب، والناس حوله يضحكون ويقهقهون كأن المشهد مشهد مسرحية هزلية! شاهدنا هذا قبل أن تُبنى الجسور وترتفع أنصاب الجمرات، وكل هذا مبني على هذه العقيدة أن الحجاج يرمون شياطين، وليس لها أصل صحيح يعتمد عليه.
وقد علمت مما سبق الحكمة في مشروعية رمي الجمار، وأنه إنما شرع لإقامة ذكر الله - عزو جل - ، ولهذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يكبر على إثر كل حصاة.
3- رميهم الجمرات بحصا كبيرة، وبالحذاء "النعل" والخفاف "الجزمات"، والأخشاب!! وهذا خطأ كبير مخالف لما شرعه النبي - صلى الله عليه وسلم - لأمته بفعله وأمره، حيث رمى - صلى الله عليه وسلم - بمثل حصا الخذف، وأمر أمته أن يرموا بمثله، وحذرهم من الغلو في الدين، وسبب هذا الخطأ الكبير ما سبق من اعتقادهم أنهم يرمون شياطين.
4- تقدمهم إلى الجمرات بعنف وشدة، لا يخشعون لله تعالى، ولا يرحمون عباد الله، فيحصل بفعلهم هذا من الأذية للمسلمين والإضرار بهم، والمشاتمة والمضاربة ما يقلب هذه العبادة وهذا المشعر إلى مشهد مشاتمة ومقاتلة، ويخرجها عما شُرعت من أجله، وعما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - .
ففي " المسند" عن قدامة بن عبد الله بن عمار قال: «رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم النحر يرمي جمرة العقبة على ناقة صهباء، لا ضرب ولا طرد ولا إليك إليك»؛ رواه الترمذي وقال: حسن صحيح.
5- تركهم الوقوف للدعاء بعد رمي الجمرة الأولى والثانية في أيام التشريق، وقد علمت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقفُ بعد رميها مستقبل القبلة، رافعاً يديه يدعو دعاءً طويلاً.
وسبب ترك الناس لهذا الوقوف الجهل بالسنة، أو محبة كثير من الناس للعجلة والتخلص من العبادة.
ويا حبذا لو أن الحاج تعلم أحكام الحج قبل أن يحج، ليعبد الله تعالى على بصيرة، ويحقق متابعة النبي - صلى الله عليه وسلم - . ولو أن شخصاً أراد أن يسافر إلى بلد لرأيته يسأل عن طريقها حتى يصل إليها عن دلالة، فكيف بمن أراد أن يسلك الطريق الموصلة إلى الله تعالى، وإلى جنته، أفليس من الجدير به أن يسأل عنها قبل أن يسلكها ليصل إلى المقصود ؟
6- رميهم الحصا جميعاً بكفٍّ واحدة، وهذا خطأ فاحش، وقد قال أهل العلم إنه إذا رمى بكف واحدة أكثر من حصاة لم يحتسب له سوى حصاة واحدة.
فالواجب أن يرمي الحصا واحدة فواحدة، كما فعل النبي.
7- زيادتهم دعوات عند الرمي لم ترد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، مثل قولهم: اللهم اجعلها رضا للرحمن، وغضباً للشيطان، وربما قال ذلك وترك التكبير الوارد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
والأولى الاقتصار على الوارد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من غير زيادة ولا نقص.
8- تهاونهم برمي الجمار بأنفسهم فتراهم يوكلون من يرمي عنهم مع قدرتهم على الرمي ليُسقطوا عن أنفسهم معاناة الزحام ومشقة العمل، وهذا مخالف لما أمر الله. تعالى به من إتمام الحج، حيث يقول سبحانه: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾[البقرة: 196]، فالواجب على القادر على الرمي أن يُباشره بنفسه، ويصبر على المشقة والتعب فإن الحج نوعٌ من الجهاد، لابد فيه من الكُلفة والمشقة.
فليتق الحاج ربه، وليتم نُسكه، كما أمره الله تعالى به ما استطاع إلى ذلك سبيلاً.

المصدر:

مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين(24/334-338)


هل انتفعت بهذه الإجابة؟