الجواب
الأصل في هذا الباب أن الله -جل وعلا- هو المتصرف في خلقه لا يسأل عما يفعل وهم يسئلون، وهو -جل وعلا- له الخلق والأمر، والعبد له إرادة ومشيئة ولكن مشيئته مرتبطة بمشيئة الله، قال تعالى ﴿لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ﴾[التكوير: 28] وقال تعالى: ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾[التكوير: 29] والله -جل وعلا- بين طريق الخير وأمر به وبين طريق الشر ونهى عنه، وجعل في العبد اختيارا وعقلا يميز به بين الخير والشر، والعبد هو الذي يختار لنفسه ما يشاء من الطريقين، قال تعالى ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا﴾[الإنسان: 3] وقال تعالى: ﴿وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ﴾[البلد: 10] والخير الذي يصيب العبد من الله، والسيئة التي تصيب العبد من نفسه قال تعالى ﴿مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ﴾[النساء: 79]
ومما تقدم تعلم أن العبادة التي تقع من العبد ويثيبه الله عليها من فضل الله على العبد وهي حاصلة بإرادته واختياره، وأن المعصية التي تقع من العبد هي واقعة من نفس العبد وبإرادته واختياره، وعقوبة الله للعبد على هذه المعصية هي واقعة بسبب من العبد؛ لأنه باشرها، وقد عامله الله بعدله في ذلك، وكلتاهما وقعتا من العبد بمشيئة الله وقدره السابق، وله في ذلك الحكمة البالغة، وقد أوضح ذلك سبحانه بقوله: ﴿أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾[النساء: 78].
وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.