الأربعاء 23 شوّال 1445 هـ

تاريخ النشر : 02-09-2023

أيهما أفضل لأهل مكة والمقيمين فيها الطواف بالبيت أم العمرة؟

الجواب

لا شكّ أن أهْلَ مكَّةَ لَيْسُوا كَغَيرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الآفاقِ، لأنَّ أَهْلَ الْآفَاقِ يأْتُونَ إلى مكَّةَ قاصِدِينَ العُمرة أو الحج، لكنَّ أهلَ مكَّةَ يَخْرُجُونَ مِنْها، ولذلِكَ إِذَا أرادَ أهْلُ مكَّةَ أن يَأْتُوا بِعُمْرَةٍ وجَبَ عليهم أن يَخْرُجُوا إلى الحِل فيُحْرِمُوا مِنْهُ، ولا يجوز أن يُحْرِمُوا مِنْ بيوتهمْ؛ بدليل أنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- أَمَرَ عِبدَ الرَّحْمنِ بنَ أَبِي بَكْرٍ -رضي الله عنه- أَن يَخْرُجَ بعائشَةَ -رضي الله عنها- إلى الحِل لتُحْرِمَ مِنْهُ، فكذلكَ أيْضًا أَهلُ مكَّةَ إِذَا أرادوا الإحْرامَ بالعُمْرَةِ يجب أن يَخْرُجُوا إلى الحِل، إما إلى التَّنْعِيمِ، أو الجعِرَّانَةِ، أو جِهَةِ الحَدَيْبِيَّة، أو جِهَةِ عَرَفَةَ، ثم يُحْرِمُوا مِنه، ويأْتُوا إلى مكَّةَ.

وفيما يخُصُّ أيهما أفْضَلُ قال بعضُ العلماء: إن الأفضَلَ أَن يَطُوفُوا بالبيتِ، ولا يخرجوا إلى العُمْرَةِ، ولكن الَّذِي يَظْهَرُ مِن عُمومات الأَدِلَّةِ أَنَّهُم إِذا خَرَجُوا إِلى العُمْرَةِ، ولا سيما في رمضانَ، فإن ذلِكَ أفضلُ؛ لعموم قولِ النَّبِيِّ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: (العُمْرَةُ إلَى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا).

لكِنْ تَكْرارُ العُمْرَةِ -كما يفعَلُ الجهالُ- هَذا هُوَ الخطأ، فبعض الناس وهوَ بِمَكَّةَ يعتَمِرُ في أوَّلِ النَّهارِ، ويعتَمِرُ في آخِرِ النهار، بل قَدْ شَاهَدتُ أنا رَجُلًا اعْتَمَرَ وحَلَقَ نِصْفَ رأسِهِ، وأبْقَى النَّصْفَ الآخرَ، فرأيتُهُ يسْعَى، فقلتُ له: لماذَا فَعَلْتَ هَذَا؟ َقالَ: هذا النِّصْفُ الذي حَلَقْتُهُ عن عُمْرَةِ أَمْسِ، والباقِي عَن عُمْرَةِ اليوم! وهذا في الحقيقةِ خطأً وجَهْلٌ، فهَلْ إذا أرادَ أن يَعْتَمِرَ أربعَ مَرَّاتٍ حَلَقَ رُبُعَ رأسه عن كلِّ عُمْرَةٍ؟!

فهذا العَمَلُ مِن جَهْلِ الناسِ، والناسُ يحتاجُونَ إلى تفصيل، فالنَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فِي فَتْح مكَّةَ بَقِيَ فيها تسعةَ عَشَرَ يومًا، ولم يَخْرُجْ لِيَعْتَمِرَ، فَهَلِ النَّبِيُّ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- يَجْهَلُ أنهُ مَشْرُوعٌ؟ كَلا، هل تَهَاوَنَ الرسولُ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- وتَرَكَ الأمْرَ الفَاضِلَ؟ حاشَاهُ ما خَرَجَ لِيَعْتَمِرَ معَ أن التَّنْعِيمَ قَرِيبٌ، لكنه لما رَجَعَ مِنَ الطائفِ، وأقام في الجُعِرَّانَة لقَسْمِ الغَنائمِ اعْتَمَرَ؛ لأنه خَرَجَ مِن مكَّةَ لغَيْرِ العُمْرَةِ، فلما رجَعَ اعْتَمَرَ.

إذَن هذا التَّكْرَارُ الذِي يفْعَلُه بعضُ الناسِ خِلافُ السُّنَّةِ، وقد يقول قائلٌ: أنا أعْتَمِرُ اليومَ لنَفْسِي، وأعتَمِرُ اليومَ الثَّاني لأبي أو أُمِّي، فما تقولونَ؟ نقولُ لَهُ:

أولًا: يجب أن تسألَ هَلِ الاعْتِمارُ عَنِ المَيِّتِ مَشْرُوعُ أو لا؟ فالمسألة تحتاج إلى نَظَر، وفيها خلافٌ كبيرُ عندَ العُلماء.

ثانيًا: فيما يخص تَكْرَارَها: يومٌ لكَ، ويومٌ لأَخِيكَ، واليوم الثالِثُ للجَدِّ، والرابع للجَدَّةِ، والخامس للخالة، والسادِسُ للعمَّةِ،... هذا الأمر لم يُرَدْ به الشَّرْعُ إطلاقاً، لذلك نقول: لكُلِّ عُمْرَةٍ سَفْرَةٌ، أي أن السَّفْرَةَ الواحِدَةَ لها عُمْرَةٌ وَاحِدَةٌ، فإذا كُنتَ تريد أن تعْتَمِرَ لأبيك أو أُمِّكَ فارجع إلى بَلَدِكَ، وإن يَسَر الله لك أن تَرْجِعَ فاجعل العمرة لأبيكَ أو لأمِّكَ، أما أنْ تُكَرّرَها هكَذَا، فالصحابة -رضي الله عنهم-، وهُمْ -واللهِ- أعمَقُ مِنَّا عِلْمًا، وأحْرَصُ مِنَّا على الخَيْرِ، لم يفْعَلُوهُ.

المصدر:

[دروس وفتاوى من الحرمين الشريفين للشيخ ابن عثيمين (16/47-49)]


هل انتفعت بهذه الإجابة؟