الأربعاء 23 شوّال 1445 هـ

تاريخ النشر : 24-03-2020

أوقف أرضا في مولد على أحد الأولياء فما حكم الوقف؟

الجواب
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد؛ فإن الجواب عن هذا السؤال يكون في شيئين:
الشيء الأول: زكاة الأوقاف، وما ينبغي للإنسان أن يجعل مصرفا لوقفه فالوقف لا ريب أنه مما يقصد به وجه الله سبحانه وتعالى ولهذا قال أهل العلم إنه إذا كان على جهة عامة فلابد أن يكون على بر أي على طاعة وعلى هذا فإني أوجه إلى إخواني الذين يريدون أن يوقفوا شيئا من أموالهم أن يحرصوا على أن تكون جهة المصرف جهة مشروعة محبوبة لله سبحانه وتعالى ليكون وقفهم وقف بر يثابون به عند الله سبحانه وتعالى وأحذرهم من أن يوقفوا وقف جنف وإثم مثل ما يفعله بعض الناس يوصي بوقف في شيء من ماله على بعض ورثته والوصية لا تنفذ إلا بعد الموت من الثلث ولا تجوز لوارث وذلك لأن الوصية لوارث من تعدي حدود الله عز وجل حيث أنه سبحانه وتعالى قدر لكل وارث ما يستحقه من تركة الموروث فلو أوصى لأحدهم بشيء صار في ذلك متعديا لحدود الله سبحانه ولهذا توعد الله من تعدى حدوده حين ذكر آية المواريث فقال: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾[النساء: 13- 14] وإذا كان الأمر كذلك وهو أنه ينبغي للموقف أن يجعل وقفه في أمر يكون برا وطاعة فإن أحسن ما أرى أن توقف الأموال على المصالح العامة كالمساجد تعميرها وصيانتها وتوفير ما تحتاج إليه من فرش وبرادات ماء ومكيفات ونحو هذا أو في طباعة الكتب النافعة السليمة في العقيدة والمنهاج حتى يكون ذلك داخلا في الجهاد في سبيل الله لأن الجهاد في سبيل الله كما يكون بالسيف والسنان يكون كذلك بالقلم والبيان هذه مسألة، أما المسألة الثانية في الجواب على هذا السؤال، فإن الواقف لم يبين كيفية الوقف هل جعله خاصاً لمولد هذا الولي فقط أو أنه جعله وقف بر ويخرج منه شيء لهذا المولد فإن كان الأول فالوقف ليس بصحيح؛ لأن الجهة التي صرفه إليها ليست جهة بر فإن أعياد الموالد ليست من الأمور المشروعة بل هي من الأمور البدعية التي لم يكن عليها رسول الله صلى الله وسلم ولا خلفاؤه الراشدون ولا أصحابه ولا الأئمة المهديون من بعدهم وعلى هذا فلا يكون هذا الوقف صحيحا. أما إذا كان الوقف على جهة بر وفيه هذا النوع مما يصرف إليه فإن الوقف يبقى صحيحا ولا يصرف في هذا النوع ويصرف في أعمال بر أخرى هذا هو الجواب على هذا السؤال.
السؤال: فإن تعطلت مصلحة الوقف بأن كان يزرع مثلاً ويتصدق بثمره، أو مثل هذه الحالة، فتعطلت منافعه هل يجوز بيعه في مثل هذه الحالة؟
الشيخ: إذا تعطلت منافع الوقف ومصالحه فإنه يجب بيعه، ليس يجوز فقط، بل يجب أن يباع ويصرف في عمل بر. لكن في مثل هذه الحال لا بد من مراجعة الحاكم الشرعي حتى لا يحصل تلاعب في الأوقاف، فإذا أراد أحد بيعها تراءى له أو ادعى أنها تعطلت منافعه فباعها فإذن لا بد من مراجعة الحاكم الشرعي وبيان أن هذا الوقف قد تعطلت منافعه حتى يأذن في بيعه.
السؤال: في مثل هذه الحالة بعد وجوب البيع هل يجوز للواقف نفسه أن يشتريه أو ابنه مثلاً؟
الشيخ: الذي نرى في هذه المسألة أنه إذا أخرجت في مزاد علني وانتهت القيمة التي دفعت فيه فإنه لا حرج على الولي -ولي الوقف- أن يشتريه، أما الموقف نفسه فإنه لا يجوز أن يشتريه؛ وذلك لأنه أخرجه لله، وما أخرجه الإنسان لله فإنه لا يجوز له أن يرجع فيه. ولهذا لما حمل عمر بن الحطاب -رضي الله عنه- على فرس في سبيل الله فأضاعه الذي حمله عليه ثم أراد أن يبيعه قال عمر: فظننت أنه يبيعه بنصف فأردت أن أشتريه، فسألت النبي عليه الصلاة والسلام، فقال له رسول الله-صلى الله عليه وسلم- : لا تشتره، ولا تعد في صدقتك. فما أخرجه الإنسان لله فإنه لا يجوز أن يرجع إلى ملكه بعقد اختياري، أما لو رجع إلى ملكه قهراً مثل أن يتصدق على قريبه بشيء ثم يموت قريبه ويكون هو وارثاً لهذا القريب فإنه يتملك ما تصدق به عليه؛ لأن الملك بالميراث ملك قهري لا اختياري.
المصدر:
الشيخ ابن عثيمين من فتاوى نور على الدرب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟