الجواب
الواقع أن هذه الوساوس لها سبب ولها دواء، هي لا شك أنها مرض تحتاج إلى دواء، وهذا المرض له سبب، وسببه: أن الشيطان إذا رأى من شخص الاستقامة في دين الله حاول بكل الوسائل أن يصده عن سبيل الله، قال الله تبارك وتعالى -عن الشيطان-: ﴿فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ﴾[الأعراف:17] وعدو لك يقعد لك صراط الله المستقيم، ويأتيك من كل جهة لا شك أنه يريد أن يهلكك ويدمرك، ولكن إنما يأتي الشيطانُ المستقيمَ من الرجال والنساء، أما غير المستقيم فالشيطان قد استراح منه، لا يأتي إليه أبداً، ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وقد شكا الصحابة إليه ذلك قال: «أوجدتم هذا؟، قالوا: نعم يا رسول الله. قال: ذاك صريح الإيمان» الصريح من كل شيء الخالص الذي لا يشوبه شيء، ورسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: «إن هذا صريح الإيمان» يعني: خالصه، مع أنه يوجد وسوسة لكن المؤمن يدافع هذا ويكره هذا، ولو سئل عما في قلبه: أتعتقده؟ لقال: أعوذ بالله! أنا أفر منه فراري من الأسد أو أشد، ولكن الشيطان يوسوس له، قال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «ذاك صريح الإيمان» .
وذكر النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لهذا الداء دواءين، وإن شئت فقل: دواءً مركباً من شيئين: الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، والانتهاء أي: الإعراض، بأن يتغافل الإنسان عن هذا ويتشاغل بأعماله وعباداته وحينئذٍ يزول، الاستعاذة بالله أن تقول وأنت مفتقر إلى الله عز وجل، عالم بأنه وحده هو القادر على أن يعيذك: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
الثاني الإعراض -الانتهاء- اترك هذا وكأنه لم يكن، وحينئذٍ يزول عنك.
ويذكر أن اليهود قالوا لمن حولهم من الأنصار وغيرهم: إننا نحن لا نوسوس في صلاتنا -يعني: ما نفكر- فقيل لـ ابن مسعود أو لـ ابن عباس: إن اليهود يقولون: إننا لا نفكر، قال: صدقوا، وما يصنع الشيطان بقلب خراب؟!! ماذا يصنع؟ لا شيء، إذا كان القلب خراباً فلا يحاول هدمه، لكن إذا كان القلب عامراً بذكر الله وطاعة الله وخشية الله حينئذٍ يهاجمه الشيطان.
فأقول لهذه السائلة: بارك الله لها في عبادتها وعملها، وعليها أن تعرض عن هذا إعراضاً كلياً وتتناساه بعد الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، ثم إن ذلك لا يضرها لأن الرسول -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: «ذاك صريح الإيمان» والحمد لله على نعمه أن مثل هذه الوساوس المزعجة المروعة لا تضرنا ولله الحمد، أسأل الله لنا ولكم الثبات.