الجواب
توسع الناس في الاستنابة في الحج أمر يؤسف له في الواقع, وقد يكون غير صحيح شرعاً, وذلك أن الاستنابة في النفل في جوازها روايتان عن الإمام أحمد , رواية: أن الإنسان لا يجوز أن يستنيب أحداً في النفل أن يحج عنه أو يعتمر عنه, سواء كان مريضاً أو صحيحاً.
وما أجدر هذه الرواية بالصحة والقوة؛ لأن العبادات يطلب من المكلف أن يقوم بها بنفسه, حتى يحصل له من العبادة والتذلل لله تعالى ما يحصل, وأنت ترى الفرق بين إنسان يحج بنفسه وإنسان يعطي دراهم ليحج عنه، الثاني ليس له حظ من العبادة في إصلاح قلبه وتذلله لله عز وجل, وكأنها عقد صفقة بيع وكّل فيها من يشتري له أو يبيع له.
وإن كان مريضاً وأراد أن يستنيب في النفل، فيقال: هذا لم تأتِ به السنة وإنما جاءت السنة بالاستنابة في الفرض فقط, والفرق بين الفرض والنفل: أن الفرض أمر لازم على الإنسان، فإذا لم يستطع هو بنفسه وكّل من يحج عنه أو يعتمر, لكن النفل ليس بواجب, فيقال: ما دمت مريضاً وأديت الفريضة فاحمد الله على ذلك, وابذل المال الذي تريد أن تعطيه من يحج عنك أو يعتمر, ابذله في مصارف أخرى, أعن إنساناً فقيراً لم يحج الفرض أعنه بهذا المال فهو خير لك من أن تقول: خذ هذا حج به عني, وإن كنت مريضاً.
أما الفرض فالناس - والحمد لله - لم يتهاونوا به, لا تكاد تجد أحداً يوكل عنه من يحج الفريضة إلا وهو غير قادر, وهذا جاءت به السنة كما في حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - , أن امرأة أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت«يا رسول الله! إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ قال: نعم, حجي عنه» .
والخلاصة: أن الاستنابة في النفل فيها روايتان عن الإمام أحمد , إحداهما: أنها لا تصح الاستنابة, والراوية الثانية: أنها تصح الاستنابة من القادر وغير القادر.
والأقرب إلى الصواب لا شك عندي: أن الاستنابة في النفل لا تصح لا للعاجز ولا للقادر, وأما الفريضة للعاجز الذي لا يرجو زوال عجزه فقد جاءت به السنة.