الجواب
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين الحج لا يجب على هذه المرأة التي لم تجد محرماً، لقول الله تبارك وتعالى ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً﴾[آل عمران: 97] وهذه المرأة وإن كانت مستطيعة استطاعة حسية فإنها غير مستطيعة استطاعة شرعية، وذلك أنه لا يحل للمرأة أن تسافر إلا مع ذي محرم، لقول ابن عباس - رضي الله عنهما - سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب يقول: «لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم» فقام رجل قال: يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجة، وإني أكتتبت في غزوة كذا وكذا؟ فقال النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -: «انطلق فحج مع امرأتك» فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يدع الغزوة، وأن ينطلق فيحج مع امرأته، ولم يستفصل النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذه الحال: هل المرأة معها نساء ملتزمات ؟ وهل هي آمنة أو غير آمنة ؟ هل هي شابة أو عجوز ؟ فلما لم يستفصل، بل أمر هذا الرجل أن يدع الغزوة ويذهب ليحج مع امرأته. دل ذلك على العموم، وأنه لا يحل لامرأة أن تسافر للحج ولا لغيره إلا مع ذي محرم، حتى وإن كانت آمنة على نفسها، وإن كانت مع نساء، وفي هذه الحال هي غير مستطيعة شرعاً، فلو توفيت ولاقت الله - عزو جل - ، فإنها لا تكون مسئولة عن هذا الحج، لأنها معذورة، لكن من العلماء من قال: إن المحرم ليس شرط لوجوب الحج. وعلى هذا فلا يلزمها أن تستنيب من يحج عنها إذا كانت قادرة بمالها؛ لأن شرط الوجوب إذا انتفى يسقط مثل ما يسقط بانتفاء الوجوب، ومن العلماء من قال: إن المحرم شرط لوجوب الأداء، أي للزوم حجها بنفسها، وبناء على هذا يلزمها أن تستنيب من يحج عنها إذا كان عندها مال، وإذا توفيت فإنه يجب إخراج الحج عنها من تركتها. فنقول لهذه السائلة: اطمئني فأنت الآن لست آثمة إذا لم تحجي، بل إذا حججتي فأنت آثمة، وإذا مت ليس في ذمتك شيء، لأنك غير مستطيعة شرعا، وكثير من الناس يكون مشتاقا إلى الحج ومحبا للحج، فيرتكب بعض المحرمات من أجل تحقيق رغبته وإرادته ومحبته، وهذا غير صحيح، بل الصحيح أن تتبع ما جاء به الشرع في هذه الأمور وفي غيرها، فإذا كان الله تعالى لم يلزمك بالحج فلا ينبغي أن تلزم نفسك بما لا يلزمك، ومثال ذلك: أن بعض الناس يكون في ذمته دين لأحد فتجده يذهب للحج وذمته مشغولة بهذا الدين، مع أن الحج، في هذه الحال لا يجب عليه، بل هو بمنزلة الفقير لا تجب عليه الزكاة، فكذلك هذا الذي عليه الدين لا يجب عليه الحج، ولا يكون آثما بتركه، ولا مستحقا للعقاب إذا لاقى الله عز وجل، لأنه معذور، فوفاء الدين واجب، والحج مع الدين ليس بواجب، والعاقل لا يقوم بما ليس بواجب ويدع ما هو واجب، لذلك نصيحتي لإخواني الذين عليهم ديون ولم يحجوا من قبل نصيحتي لهم أن يدعو الحج حتى يغنيهم الله عز وجل، ويقضوا ديونهم ثم يحجوا.