الخميس 17 شوّال 1445 هـ

تاريخ النشر : 26-03-2020

هل يأثم الولد إذا غضب عليه والده عند نصحه بالطاعة وترك المعصية ؟

الجواب
نصيحة الابن لأبيه أو لأمه أو لأقاربه ليست عقوقاً للوالدين ولا قطيعةً للأقارب بل هذا من بر الوالدين وصلة الأقارب فالواجب على الإنسان أن يبر بوالديه بنصيحتهما وأن يصل أقاربه بنصيحتهم كما قال الله تعالى لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - : ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ﴾ [الشعراء: 214] وإذا غضب الوالدان أو الأقارب من هذه النصيحة فغضبهم عليهم وليس عليك منهم شيء ولا يعد إغضابهم بالنصيحة قطيعةً ولا عقوقاً ولكن يجب عليك أن تكون حكيماً في النصيحة بأن تتحرى الأحوال التي يكونون بها أقرب إلى الإجابة والقبول وأن لا تعنف وتسب وتشتم لأن هذا قد ينفر من توجه إليهم النصيحة فإذا أتيت بالتي هي أحسن مخلصاً لله عز وجل ممتثلاً لأمره ناصحاً لعباده كان في هذا خيرٌ كثير ولا يضرك غضب من غضب ألم تر إلى هذه القصة التي جرت بين إبراهيم الخليل وأبيه في سورة مريم حيث قال - عليه الصلاة والسلام- لأبيه: ﴿يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً﴾[مريم: 42] فتأمل هذا التلطف في الخطاب يقول له: (يا أبت) وهو يعلم أنه مشرك: ﴿لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً * يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنْ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً﴾[مريم: 42-43] ولم يقل يا أبتِ إني عالم وأنت جاهل بل قال إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فلم يشأ أن يصف أباه بالجهل مع أن أباه لا شك أنه جاهلٌ بما عند إبراهيم من علم: ﴿يَا أَبَتِ لا تَعْبُدْ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيّاً * يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنْ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً﴾[مريم: 44-45] فماذا قال له الأب: ﴿قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيّاً﴾[مريم: 46] فهل تجد غضباً أشد من هذا الغضب يقول لابنه: (لئن لم تنته لأرجمنك) ويقول: (واهجرني مليا) طويلاً ماذا قال له: ﴿قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً﴾[مريم: 47] فاتخذ من هذه القصة عبرة فإن إبراهيم - عليه الصلاة والسلام- أفضل الأنبياء بعد محمد - عليه الصلاة والسلام- وهو الذي قال الله لنبيه: ﴿ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنْ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ﴾[النحل: 123] ومع هذا يخاطب أباه المشرك بهذا الخطاب وهذه المحاورة ثم يقول في الأخير: ﴿قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً * وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلاَّ أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيّاً﴾[مريم: 47-48]
المهم: أن الواجب عليك أن تنصح والدك على ما هو عليه من المعاصي لعل الله أن يمن عليه بالتوبة والهداية ولو غضب فلا يهمنك غضبه فإنما غضبه على نفسه.
المصدر:
الشيخ ابن عثيمين من فتاوى نور على الدرب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟