الأربعاء 16 شوّال 1445 هـ

تاريخ النشر : 23-03-2020

من الذي ألقى إبراهيم عليه الصلاة والسلام في النار؟

السؤال
فتوى رقم(7786)
أريد أن أستفيد من جنابكم استفادة علمية لأشفي القلب بها، وقد قال الله -تبارك وتعالى-: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾[النحل: 43] والله -سبحانه وتعالى- ولي الحق والصواب وإليه المرجع والمآب وذلك أني بعدما درست الفنون وعلوم الحديث وعلوم القرآن بحمد الرحمن وقع ورسخ في قلبي أن الذي ألقى في النار سيدنا إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والتسليم ليس هو نمروذ الذي ملك الأرض كلها كما هو بين الخواص والعوام والمذكور في التفاسير والتواريخ لعلماء الإسلام، بل ما ألقاه إلا قومه؛ وذلك لأن القرآن العظيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه حينما وأيما ذكر هذه القصة يصرح تصريحا بأن الواقعة هذه قد وقعت مع قومه وأبيه؛ لأنهم كانوا يعبدون الأصنام وهو صلى الله عليه وعلى نبينا محمد يمنعهم إلى أن جعل الأصنام جذاذا وجوز القوم هذا الجزاء بإزاء ما فعل حيث قال جل شأنه: ﴿قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ﴾[الصافات: 97] وغيرها، فالمباشرون لإجراء هذا الجزاء والمجوزون بعد المشاورة له ليس إلا قومه فالسياق والسباق وإرجاع هذه الضمائر إلى القوم لا يصرح تصريحا لا يقبل التأويل إلا بأن الواقعة هذه قد وقعت مع قومه لا مع نمروذ، نعم الواقعة المبينة في قوله تعالى ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ﴾[البقرة: 258] القصة تدل على أنها وقعت مع نمروذ لا مع القوم، مع أن المعلوم من التاريخ أن نمروذ هذا ليس من قوم إبراهيم عليه الصلاة والتسليم فإلى جانب سياق القرآن وتصريحه الذي لا يقبل التأويل وإلى جانب التواريخ والتفاسير وضعاف الأحاديث التي لا يساوي السياق القرآني وتصريحه فبهذا نشأ القلق والاضطراب، وإني راجعت التفاسير فما وجدت لهذه المعضلة شفاء.
فالمرجو من حضرتكم الجواب الشافي المؤيد بالروايات الصحيحة من الأحاديث النبوية مع الإحاطة ولا يقبل إلا الحديث الصحيح وأقوال علماء المحققين أجري وأجركم على الله؟
الجواب
إن الله تعالى ذكر في سورة البقرة قصة الذي حاج إبراهيم في ربه، وختمها بانتصار إبراهيم عليه، ودحضه شبهته، فقال: ﴿فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾[البقرة: 258] ولم يشر سبحانه في القصة إلى أنه تعرض لإبراهيم عليه الصلاة والسلام بأذى أو أنذره بشر وذكر سبحانه في سورة الأنعام والأنبياء والشعراء والعنكبوت دعوة إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام أباه وقومه إلى التوحيد وإنكاره عليهم عبادة غير الله وتحطيمه أصنامهم وما دار بينه وبينهم من المحاجة، وختمها بإلقائهم إياه في النار، وإنجائه منها، فقال سبحانه ﴿قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ * قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ * وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ * وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ﴾[الأنبياء: 68- 71] وهذا بين في أن قومه هم الذين ألقوه في النار، وأن الله تعالى رد كيدهم وأحبط سعيهم ونجى خليله إبراهيم عليه الصلاة والسلام مما أرادوه به من الهلاك، فلا إشكال في المسألة ولا إعضال، فالمقصود هو بيان أن إبراهيم -عليه السلام- بلغ البلاغ المبين وأقام الحجة على الكافرين، وأنه ابتلي البلاء العظيم فصبر ابتغاء وجه الله الكريم فأنجاه الله من النار وأبطل كيد الكفار وقد تم كل ذلك بفضل الله ورحمته، فهون على نفسك وأشغل بالك بما هو أهم من ذلك، زادك الله فقها في الدين وعناية، ووفقنا وإياك للنافع من العلم وصالح العمل، ونفع بنا وبك المسلمين.
وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.
المصدر:
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء(3/281)
عبد الله بن قعود ... عضو
عبد الله بن غديان ... عضو
عبد الرزاق عفيفي ... نائب رئيس اللجنة
عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الرئيس

هل انتفعت بهذه الإجابة؟