الجمعة 10 شوال 1445 | آخر تحديث قبل 2 أيام
0
المشاهدات 4230
الخط

معنى الإخلاص في العبادة

السؤال:

سئل فضيلة الشيخ: عن معنى الإخلاص؟ وإذا أراد العبد بعبادته شيئا آخر فما الحكم؟

الجواب:

الإخلاص لله تعالى معناه: (أن يقصد المرء بعبادته التقرب إلى الله -سبحانه وتعالى- والتوصل إلى دار كرامته) وإذا أراد العبد بعبادته شيئا آخر ففيه تفصيل حسب الأقسام التالية: القسم الأول: أن يريد التقرب إلى غير الله تعالى في هذه العبادة ونيل الثناء عليها من المخلوقين فهذا يحبط العمل، وهو من الشرك. وفي الصحيح من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي-صلى الله عليه وسلم- قال: قال الله تعالى: «أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه». القسم الثاني: أن يقصد بها الوصول إلى غرض دنيوي كالرئاسة، والجاه، والمال دون التقرب بها إلى الله تعالى فهذا عمله حابط لا يقربه إلى الله تعالى لقول الله تعالى: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾[هود: 15- 16]. والفرق بين هذا والذي قبله أن الأول قصد أن يثنى عليه من قبل أنه عابد لله تعالى وأما هذا - الثاني - فلم يقصد أن يثنى عليه من قبل أنه عابد لله ولا يهمه أن يثني الناس عليه بذلك. القسم الثالث: أن يقصد بها التقرب إلى الله تعالى والغرض الدنيوي الحاصل بها مثل أن يقصد مع نية التعبد لله - تعالى – بالطهارة تنشيط الجسم وتنظيفه، وبالصلاة تمرين الجسم وتحريكه، وبالصيام تخفيف الجسم وإزالة فضلاته، وبالحج مشاهدة المشاعر والحجاج فهذا ينقص أجر الإخلاص، ولكن إن كان الأغلب عليه نية التعبد فقد فاته كمال الأجر، ولكن لا يضره ذلك باقتراف إثم أو وزر لقوله تعالى في الحُجاج: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ﴾[البقرة: 198]. وإن كان الأغلب عليه نية غير التعبد فليس له ثواب في الآخرة وإنما ثوابه ما حصله في الدنيا، وأخشى أن يأثم بذلك لأنه جعل العبادة التي هي أعلى الغايات وسيلة للدنيا الحقيرة، فهو كمن قال الله فيهم: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ﴾[التوبة: 58]. وفي سنن أبي داود عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رجلا قال: يا رسول الله رجل يريد الجهاد وهو يريد عرضا من عرض الدنيا. فقال النبي،-صلى الله عليه وسلم-: «لا أجر له» فأعاد ثلاثا والنبي-صلى الله عليه وسلم- يقول: «لا أجر له» وفي الصحيحين عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أن النبي-صلى الله عليه وسلم- قال: «من كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه». وإن تساوى عنده الأمران فلم تغلب نية التعبد ولا نية غير التعبد فمحل نظر، والأقرب أنه لا ثواب له كمن عمل لله تعالى ولغيره. والفرق بين هذا القسم والذي قبله أن غرض غير التعبد في القسم السابق حاصل بالضرورة فإرادته إرادة حاصلة بعمله بالضرورة وكأنه أراد ما يقتضيه العمل من أمر الدنيا. فإن قيل: ما هو الميزان لكون مقصوده في هذا القسم أغلبه التعبد أو غير التعبد؟ قلنا: الميزان أنه إذا كان لا يهتم بما سوى العبادة حصل أم لم يحصل فقد دل على أن الأغلب نية التعبد والعكس بالعكس. وعلى كل حال فإن النية التي هي قول القلب أمرها عظيم وشأنها خطير فقد ترتقي بالعبد إلى درجة الصديقين وقد ترده إلى أسفل السافلين، قال بعض السلف: (ما جاهدت نفسي على شيء مجاهدتها على الإخلاص) فنسأل الله لنا ولكم الإخلاص في النية، والصلاح في العمل.

المصدر:

مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين(1/98-100)

أضف تعليقاً