الجمعة 10 شوال 1445 | آخر تحديث قبل 3 أيام
0
المشاهدات 540
الخط

حكم قول بعضهم: (إن الإنسان يتكون من عنصرين: التراب . . ، والروح. .)

السؤال:

سئل فضيلة الشيخ: عن قول من يقول: (إن الإنسان يتكون من عنصرين: عنصر من التراب وهو الجسد، وعنصر من الله وهو الروح)؟

الجواب:

هذا الكلام يحتمل معنيين: أحدهما: أن الروح جزء من الله. والثاني: أن الروح من الله خلقاً. وأظهرهما أنه أراد أن الروح جزء من الله؛ لأنه لو أراد أن الروح من الله خلقاً لم يكن بينها وبين الجسد فرق إذ الكل من الله تعالى خلقاً وإيجاداً.  والجواب على قوله أن نقول: لا شك أن الله أضاف روح آدم إليه في قوله - تعالى -: ﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي﴾[الحجر: 29], وأضاف روح عيسى إليه فقال: ﴿وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ﴾[الأنبياء: 91], وأضاف بعض مخلوقات أخرى إليه كقوله: ﴿وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ﴾[الحج: 26], وقوله: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ﴾[الجاثية: 13], وقوله عن رسوله صالح: ﴿فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا﴾[الشمس: 13]. ولكن المضاف إلى الله نوعان: أحدهما: ما يكون منفصلاً بائناً عنه، قائماً بنفسه أو قائماً بغيره، فإضافته إلى الله تعالى إضافة خلق وتكوين، ولا يكون ذلك إلا فيما يقصد به تشريف المضاف أو بيان عظمة الله تعالى، لعظم المضاف، فهذا النوع لا يمكن أن يكون من ذات الله, ولا من صفاته، أما كونه لا يمكن أن يكون من ذات الله - تعالى -، فلأن ذات الله تعالى واحدة لا يمكن أن تتجزأ أو تتفرق، وأما كونه لا يمكن أن يكون من صفات الله فلأن الصفة معنى في الموصوف لا يمكن أن تنفصل عنه، كالحياة، والعلم، والقدرة، والقوة، والسمع، والبصر، وغيرها. فإن هذه الصفات صفات لا تباين موصوفها، ومن هذا النوع إضافة الله - تعالى - روح آدم وعيسى إليه، وإضافة البيت وما في السموات والأرض إليه، وإضافة الناقة إليه، فروح آدم، وعيسى قائمة بهما، وليست من ذات الله تعالى، ولا من صفاته قطعاً، والبيت وما في السموات والأرض، والناقة أعيان قائمة بنفسها، وليست من ذات الله ولا من صفاته، وإذا كان لا يمكن لاحدٍ أن يقول: إن بيت الله، وناقة الله من ذاته ولا من صفاته، فكذلك الروح التي أضافها إليه ليست من ذاته ولا من صفاته ولا فرق بينهما؛ إذ الكل بائن منفصل عن الله -عزّ وجلّ- وكما أن البيت والناقة من الأجسام فكذلك الروح جسم تحل بدن الحي بإذن الله، يتوفاها الله حين موتها، ويمسك التي قضى عليها الموت، ويتبعها بصر الميت حين تقبض، لكنها جسم من جنس آخر. النوع الثاني من المضاف إلى الله: ما لا يكون منفصلاً عن الله بل هو من صفاته الذاتية أو الفعلية، كوجهه، ويده، سمعه، وبصره، واستوائه على عرشه، ونزوله إلى السماء الدنيا، ونحو ذلك، فإضافته إلى الله -تعالى- من باب إضافة الصفة إلى موصوفها، وليس من باب إضافة المخلوق والمملوك إلى مالكه وخالقه.    وقول المتكلم: (إن الروح من الله) يحتمل معنى آخر غير ما قلنا: إنه الأظهر، وهو أن البدن مادته معلومة، وهي التراب، أما الروح فمادتها غير معلومة، وهذا المعنى صحيح. كما قال الله -تعالى-: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً﴾[الإسراء: 85]. وهذه - والله أعلم - من الحكمة في إضافتها إليه أنها أمر لا يمكن أن يصل إليه علم البشر بل هي مما استأثر الله بعلمه كسائر العلوم العظيمة الكثيرة التي لم نؤت منها إلا القليل، ولا نحيط بشيء من هذا القليل إلا بما شاء الله -تبارك وتعالى-.    فنسأل الله -تعالى-، أن يفتح علينا من رحمته وعلمه ما به صلاحنا، وفلاحنا في الدنيا والآخرة.

المصدر:

مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين(3/104-107)

أضف تعليقاً