الجمعة 10 شوال 1445 | آخر تحديث قبل 3 أيام
0
المشاهدات 4778
الخط

حكم شد الرحال لزيارة قبر النبي - صلى الله عليه وسلم-

السؤال:

سئل فضيلة الشيخ -رحمه الله تعالى-: هل يجوز شد الرحال إلى قبر الرسول- صلى الله عليه وسلم- ؟

الجواب:

من يشد الرحال إلى قبر النبي- صلى الله عليه وسلم- يفعل ذلك من أجل السلام عليه، ونقول: إن الله قد كفاك، فأي إنسان يسلم على الرسول - عليه الصلاة والسلام- في أي مكان فإن تسليمه يبلغه، فلا يجوز أن يشد الرحال من أجل زيارة قبر النبي- صلى الله عليه وسلم- لأن ذلك أقل ما فيه إضاعة مال، وإضاعة المال محرمة. لكن لو شد الرحل للمسجد النبوي فهذا جائز، لأن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى»، وإذا وصلت إلى المسجد فصل تحية المسجد وقم بزيارة قبر الرسول- صلى الله عليه وسلم- وصاحبيه أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما- وقم بزيارة قبر أمير المؤمنين عثمان بن عفان - رضي الله عنه- بالبقيع، وقم بزيارة أهل البقيع كلهم، لأن النبي- صلى الله عليه وسلم- كان يزور البقيع. والحكمة من زيارة البقيع وسائر القبور من أجل تذكر الآخرة والدعاء لهم، لا من أجل الدعاء عند القبر أو الاستغاثة بأهل القبور. قال - عليه السلام- وهو المشرع للأمة المبين لحكم الشريعة قال: «زوروا القبور فإنها تذكركم الموت»، وفي لفظ: «تذكركم الآخرة» هذا المقصود، فهؤلاء القوم هم الآن في باطن الأرض لا يملكون زيادة حسنة ولا نقص سيئة من أعمالهم، وأنت الآن على ظهر الأرض تستطيع أن تزيد حسنة في حسناتك، أو أن تستغفر من سيئة. فتذكر الموت، وتذكر الآخرة، وهي دار الجزاء فإن هذا هو المقصود. والعبد ليس له عهد من الله أنه سيبقى مدة بعد هذه الزيارة، وأنت يا أخي لا تدري لعلك تزور هؤلاء الموتى صباحاً، ويزورك أقاربك في هذه القبور مساء، فاستعد للموت، تب إلى الله -عز وجل- مما فرطت في حق الله، وفرطت في حق عباد الله. فهذا هو المقصود من زيارة القبور. أما إذا أردت أن تدعو الله، فادع الله في بيوته وهي المساجد. وأقبح من الدعاء عند القبور! دعاء أهل القبور، فيقول: يا ربي الله، يا سيدي، يا فلان، افعل كذا وكذا، ارزقني مثلاً وهذا شرك أكبر يستحق فعله ما ذكره الله في قوله: ﴿إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ﴾ [المائدة: 72]. نسأل الله تعالى أن يختم لنا ولكم بالتوحيد والإخلاص والسنة إنه على كل شيء قدير. فصل: في زيارة قبر النبي- صلى الله عليه وسلم- وقبري صاحبيه - رضي الله عنهما-. بعد أن يُصلي في المسجد النبوي أول قدومه ما شاء الله أن يُصلي، يذهب للسلام على النبي- صلى الله عليه وسلم- وصاحبيه أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما-. 1 ـ فيقف أمام قبر النبي- صلى الله عليه وسلم- مستقبلاً للقبر مستدبراً للقبلة، فيقول: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، وإن زاد شيئاً مناسباً فلا بأس مثل أن يقول: السلام عليك يا خليل الله وأمينه على وحيه، وخيرته من خلقه، أشهد أنك قد بلغت الرسالة، وأديت الأمانة، ونصحت الأمة، وجاهدت في الله حق جهاده. وإن اقتصر على الأول فحسنٌ. وكان ابن عمر - رضي الله عنهما- إذا سلم يقول: السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا أبتِ، ثم ينصرف. 2 ـ ثم يخطو خطوة عن يمينه ليكون أمام أبي بكر - رضي الله عنه- فيقول: السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا خليفة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في أمته، رضي الله عنك وجزاك عن أمة محمد خيراً. 3 ـ ثم يخطو خطوة عن يمينه ليكون أمام عمر - رضي الله عنه- فيقول: السلام عليك يا عمر، السلام عليك يا أمير المؤمنين، رضي الله عنك وجزاك عن أمة محمد خيراً. وليكن سلامه على النبي- صلى الله عليه وسلم- وصاحبيه بأدب، وخفض صوت، فإن رفع الصوت في المساجد منهيٌّ عنه، لاسيما في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وعند قبره. وفي "صحيح البخاري" عن السائب بن يزيد قال: كنت قائماً أو نائماً في المسجد فحصبني رجل فنظرت فإذا عمر بن الخطاب فقال: اذهب فأتني بهذين، فجئته بهما فقال: مَن أنتما؟ قالا: من أهل الطائف، قال: لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما جلداً، ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله- صلى الله عليه وسلم-. ولا ينبغي إطالة الوقوف والدعاء عند قبر الرسول- صلى الله عليه وسلم- وقبري صاحبيه، فقد كرهه مالك وقال: هو بدعة لم يفعلها السلف، ولن يُصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وكره مالك لأهل المدينة كلما دخل إنسان المسجد أن يأتي إلى قبر النبي - صلى الله عليه وسلم- لأن السلف لم يكونوا يفعلون ذلك، بل كانوا يأتون إلى مسجده فيصلون فيه خلف أبي بكر وعمر وعثمان وعلي - رضي الله عنهم- وهم يقولون في الصلاة: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، ثم إذا قضوا الصلاة قعدوا أو خرجوا ولم يكونوا يأتون القبر للسلام لعلمهم أن الصلاة والسلام عليه في الصلاة أكمل وأفضل. قال: وكان أصحابه خير القرون، وهم أعلم الأمة بسنته، وأطوع الأمة لأمره. قلت: وأقواهم في تعظيمه ومحبته، وكانوا إذا دخلوا إلى مسجده لا يذهب أحد منهم إلى قبره، لا من داخل الحجرة ولا من خارجها، وكانت الحجرة في زمانهم يُدخَلُ إليها من الباب إلى أن بُني الحائط الآخرة، وهم مع ذلك التمكن من الوصول إلى قبره لا يدخلون إليه، لا لسلام، ولا لصلاة عليه، ولا لدعاء لأنفسهم، ولا لسؤال عن حديث أو علم! ولم يكن أحد من الصحابة رضوان الله عليهم يأتيه ويسأله عن بعض ما تنازعوا فيه، كما أنهم أيضاً لم يطمع الشيطان فيهم فيقولُ: اطلبوا منه أن يأتي لكم بالمطر، ولا أن يستنصر لكم، ولا أن يستغفر كما كانوا في حياته يطلبون منه أن يستسقي لهم، وأن يستنصر لهم. قال: وكان الصحابة إذا أراد أحدٌ أن يدعو لنفسه، استقبل القبلة ودعا في مسجده كما كانوا يفعلون في حياته، لا يقصدون الدعاء عند الحجرة، ولا يدخل أحدهم إلى القبر. قال: وكانوا يقدمون من الأسفار للاجتماع بالخلفاء الراشدين وغير ذلك، فيصلون في مسجده، ويسلمون عليه في الصلاة، وعند دخولهم المسجد والخروج منه، ولا يأتون القبر؛ إذ كان هذا عندهم مما لم يأمرهم به. ولكن ابن عمر كان يأتيه فيسلم عليه وعلى صاحبيه عند قدومه من السفر، وقد يكون فعله غير ابن عمر أيضاً، ولم يكن جمهور الصحابة يفعلون كما فعل ابن عمر - رضي الله عنهما-. ولا يتمسَّح بجدار الحجرة، ولا يقبله، فإن ذلك إن فعله عبادة لله وتعظيماً لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- فهو بدعة، وكل بدعة ضلالة، وقد أنكر ابن عباس - رضي الله عنهما- على مُعاوية - رضي الله عنه- مسح الركنين الشامي والغربي من الكعبة، مع أن جنس ذلك مشروع في الركنين اليمانيين. وليس تعظيم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ومحبته بمسح جدران حجرة لم تبن إلا بعد عهده بقرون، وإنما محبته وتعظيمه باتباعه ظاهراً وباطناً، وعدم الابتداع في دينه ما لم يشرعه. قال الله تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [آل عمران: 31]. وأما إن كان مسح جدار الحجرة وتقبيله مجرد عاطفة أو عبث فهو سفه وضلال لا فائدة فيه، بل فيه ضرر وتغرير للجهال. ولا يدعو رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بجلب منفعة له، أو دفع مضرة، فإن ذلك من الشرك، قال الله تعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ [غافر: 60]. وقال تعالى: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُواْ مَعَ اللهِ أَحَداً﴾ [الجن: 18]، وأمر الله نبيه- صلى الله عليه وسلم- أن يعلن لأمته بأنه لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً، فقال تعالى: ﴿قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [الأعراف: 118]، وإذا كان لا يملك ذلك لنفسه، فلا يمكن أن يملكه لغيره. وأمره سبحانه أن يعلن لأمته أنه لا يملك مثل ذلك لهم، فقال تعالى: ﴿قُلْ إِنِّى لاَ أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلاَ رَشَداً﴾ [الأعراف: 118]. وعن عائشة - رضي الله عنها- قالت: لما نزلت: ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ﴾ [الشعراء: 214] قام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: «يا فاطمة ابنة محمد، يا صفية بنت عبد المطلب، يا بني عبد المطلب لا أملكُ لكم من الله شيئاً، سَلُوني من مالي ما شئتم»، رواه مسلم. ولا يطلب من النبي- صلى الله عليه وسلم- أن يدعو له، أو يستغفر له، فإن ذلك قد انقطع بموته - صلى الله عليه وسلم- لما ثبت عنه- صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «إذا مات ابن آدمَ انقطع عمله». فأما قوله تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا﴾ [النساء: 64] فهذا في حياته، فليس فيها دليل على طلب الاستغفار منه بعد موته؛ فإن الله قال: (إِذْ ظَلَمُوا) ولم يقل: إذا ظلموا أنفسهم، "وإذ" ظرف للماضي لا للمستقبل، فهي في قوم كانوا في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم- فلا تكون لمن بعده. فهذا ما ينبغي في زيارة قبر النبي - صلى الله عليه وسلم- وقبري صاحبيه والسلام عليهم. وينبغي أن يزور مقبرة البقيع، فيسلم على من فيها من الصحابة والتابعين، مثل عثمان بن عفان - رضي الله عنه-، فيقف أمامه ويسلم عليه فيقول: السلام عليك يا عثمان بن عفان، السلام عليك يا أمير المؤمنين، رضي الله عنك وجزاك عن أمة محمد خيراً. وإذا دخل المقبرة فليقل ما علمه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أمته كما في (صحيح مسلم) عن بُريدة - رضي الله عنه- قال: كان النبي- صلى الله عليه وسلم- يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر فكان قائلهم يقول: «السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية». وفيه أيضاً عن عائشة - رضي الله عنها- قالت: «كان النبي- صلى الله عليه وسلم- يخرج من آخر الليل إلى البقيع، فيقول: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وأتاكم ما توعدون غداً مؤجلون، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد». وإنْ أحبَّ أن يخرج إلى (أُحد) ويزور الشهداء هناك فيسلم عليهم ويدعو لهم ويتذكر ما حصل في تلك الغزوة من الحكم والأسرار فحسن. 

المصدر:

مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين(17/293-301)

أضف تعليقاً