الخميس 17 شوّال 1445 هـ

تاريخ النشر : 23-03-2020

حكم الصلاة على النبي بشكل جماعي قبل صلاة الجمعة ثم الاستغاثة به

الجواب
أما الاجتماع على الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- بصوت جماعي أو صوت مرتفع فهذا بدعة ، والمشروع للمسلمين أن يصلوا على النبي -صلى الله عليه وسلم- من دون رفع الصوت المستغرب المستنكر ، ومن دون أن يكون ذلك جماعيا ، كل يصلي بينه وبين نفسه: اللهم صل وسلم على رسول الله ، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد . . . إلى آخره ، يصلي بينه وبين نفسه ؛ لأن يوم الجمعة يشرع فيه الإكثار من الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- ؛ لأنه أمر بهذا - عليه الصلاة والسلام - فقال: «إن خير أيامكم يوم الجمعة ، فأكثروا علي من الصلاة فيه ؛ فإن صلاتكم معروضة علي . قالوا: يا رسول الله كيف تعرض عليك صلاتنا وقد أرمت قال: إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء» ا . هـ .
فدل ذلك على مشروعية الإكثار من الصلاة والسلام عليه - عليه الصلاة والسلام - يوم الجمعة ، ويشرع لنا أن نكثر من ذلك في المسجد وفي غيره ، لكن كل واحد يصلي على النبي بينه وبين نفسه الصلوات المشروعة المعروفة من دون أن يكون ذلك بصوت مرتفع يشوش على من حوله أو بصوت جماعي يتكلم جماعة جميعا ، كل هذا بدعة ، ولكن يصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم- بينه وبين نفسه في مسجده وفي طريقه وفي بيته وفي كل مكان ، وهكذا في بقية الأيام والأوقات تشرع الصلاة والسلام على النبي -صلى الله عليه وسلم- ؛ لقول الله سبحانه: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾[الأحزاب: 56] ، ولقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «من صلى علي واحدة صلى الله عليه بها عشرًا» .
فالصلاة والسلام عليه -صلى الله عليه وسلم- مشروعة للرجال والنساء جميعا في يوم الجمعة وغيره ، لكن بالطريقة التي درج عليها المسلمون من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- وأتباعهم بإحسان ، كل واحد يصلي على النبي بينه وبين نفسه من غير حاجة إلى أن يرفع صوته حتى لا يشغل من حوله ومن غير حاجة إلى أن يكون معه جماعة بصوت جماعي . أما الاستغاثة بالأنبياء أو بغيرهم من الأموات والغائبين أو الجن أو الأصنام أو غيرها من الجمادات ، فهذا من الشرك الأكبر ، وهو من عمل المشركين الأولين والآخرين ، فالواجب التوبة إلى الله منه والتواصي بتركه ، فلا يجوز أن يقول أحد: يا رجال الغيب شيء لله ، أو: يا أولياء الله شيء لله ، أو: يا رسول الله شيء لله ، أو: أغيثونا ، أو: أعينونا ، أو: انصرونا ، كل هذا منكر وشرك أكبر بالله عز وجل ؛ لقول الله سبحانه في كتابه العظيم: ﴿ وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ ﴾[المؤمنون: 117] ، سمى - سبحانه - دعاءهم غير الله كفرا ، وحكم عليهم بعدم الفلاح ، وقال: ﴿ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ ﴾[فاطر: 13- 14]، فسمى دعاءهم غير الله شركا ، فالواجب الحذر من هذا .
والله سبحانه يقول: ﴿ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا ﴾[الجن: 18] ، ويقول - جل وعلا -: ﴿ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾[غافر: 60].
فالله هو الذي يدعى ، سبحانه وتعالى ، وهو الذي يكشف الضر ، وهو الذي يجلب النفع سبحانه وتعالى ، فيقول المؤمن: يا رب اشفني ، يا رب أعني ، يا رب اهدني سواء السبيل ، يا رب أصلح قلبي وعملي ، يا رب توفني مسلما ، تدعو ربك بذلك ؛ لقوله سبحانه: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾[غافر: 60] ، ولقوله سبحانه: ﴿وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ﴾[النساء: 32] ، وقوله جل وعلا: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾[البقرة: 186] . ولقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «الدعاء هو العبادة» .
فالمشروع للمسلمين رجالا ونساء الإكثار من الدعاء والحرص على دعاء الله جل وعلا ، والضراعة إليه في جميع الحاجات سبحانه وتعالى ، أما دعاء الأنبياء أو الأولياء أو غيرهم من الناس عند قبورهم أو في أماكن بعيدة عنهم كل هذا منكر ، وهو شرك بالله - عز وجل - وشرك أكبر يجب الحذر منه ، كهذا الذي ذكره السائل: يا عباد الله يا أنبياء الله أعينونا أغيثونا ، كل هذا لا يجوز ، قال الله - جل وعلا -: ﴿ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾[لقمان:13] ، وقال سبحانه: ﴿ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾[الأنعام:88]، ويقول - جل وعلا - في حق نبيه - عليه الصلاة والسلام -: ﴿ وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾[ الزمر:65]، فالأمر عظيم ، ويقول تعالى: ﴿ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾[الأنعام:88]، فالواجب الحذر ، والواجب على كل مسلم وعلى كل من ينتسب للإسلام وعلى كل مكلف أن يعبد الله وحده ، وأن يخصه بالعبادة دون من سواه ، قال سبحانه: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ﴾[الإسراء:23]، وقال تعالى: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾[الفاتحة: 5] ، فلا تسأل نبيًا ولا وليًا ولا شجرًا ولا حجرًا ولا صنمًا ولا غير ذلك في طلب حاجة من نصر ولا شفاء مريض ولا غير ذلك ، بل اسأل الله حاجتك كلها ، هذا هو توحيد الله وهو الدين الحق وهذا هو الإسلام ، وأن تتوجه إلى الله بسؤالاتك وحاجاتك ، وأن تعبده وحده بدعائك وصلاتك وصومك وسائر عباداتك ، وهذا هو معنى لا إله إلا الله ، فإن معناها لا معبود حقا إلا الله ، كما قال سبحانه: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ ﴾[الحج: 62] .
أما المخلوق وإن كان عظيما كالأنبياء ، فإنه لا يدعى من دون الله ، ولا يستغاث به ، ولا ينذر له ، ولا يذبح له ، فعلى المسلم أن يفهم هذا جيدا ، وعلى كل مكلف أن يفهم هذا جيدا ، وأن يعلم أن هذا أمره عظيم ، وأن أصل دين الإسلام وقاعدته هو إخلاص العبادة لله وحده ، وهذا هو معنى لا إله إلا الله ، فإن معناها: لا معبود حقا إلا الله ، كما تقدم . فالله -سبحانه - هو الذي يدعى وهو الذي يسأل ، كما قال تعالى: ﴿ وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ﴾[البقرة: 163] ، وقال تعالى: ﴿إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾[طه: 98] ، فالخطأ في هذا أمره عظيم جدا لا يجوز التساهل فيه ؛ لأنه شرك الجاهلية وشرك المشركين الأولين ، ولأنه ضد الإسلام وضد لا إله إلا الله ، فالواجب الحذر من هذه الشركيات ، وعليك أيها السائل أن تنذر قومك وأن تبلغهم وأن ترشدهم إلى أن يتفقهوا في الدين ويتعلموا القرآن ويتدبروه ، وأن يعتنوا بسنة الرسول -صلى الله عليه وسلم- ويعملوا بها ، ويحضروا حلقات العلم عند العلماء المعروفين بالعلم والفضل وحسن العقيدة ، وأن يستمعوا إلى إذاعة القرآن الكريم في المملكة العربية السعودية وبرنامج نور على الدرب ؛ لما في ذلك من العلم النافع والأجوبة الشرعية عما يسأل عنه المستمعون ، نسأل الله أن يوفق الجميع لما يرضيه . أما سؤال الحي الحاضر والاستعانة به فيما يقدر عليه مباشرة أو من طريق الكتابة ونحوها كالهاتف ، فلا بأس بذلك ؛ لقول الله - عز وجل - في قصة موسى - عليه الصلاة والسلام - في سورة القصص: ﴿فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ﴾[القصص: 15] ، وهذا أمر لا خلاف فيه بين أهل العلم ، والحمد لله.
المصدر:
مجموع فتاوى الشيخ ابن باز (28/312)

هل انتفعت بهذه الإجابة؟