الثلاثاء 15 شوّال 1445 هـ

تاريخ النشر : 23-03-2020

اختلفوا في أن الإنسان مسير أو مخير فمع من الصواب؟

الجواب
القول الفصل في هذه المسألة أن الإنسان مخير، وأن له اختياراً كما يريد، كما قال الله تعالى: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ﴾[هود: 15]. وقال -عز وجل-: ﴿لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ﴾[التكوير: 28].
وهذا أمرٌ معلوم بالضرورة: فأنت الآن عندما قدمت لنا هذا الكتاب هل قدمته على وجه الإكراه، وأنك تشعر بأن أحداً أكرهك على تقديمه، أو أنك قدمته على سبيل الاختيار، فأخذت الورقة وكتبت وأرسلت الخطاب أو أرسلت الكتاب؟ لا شك في أن هذا هو الواقع. ولكننا نقول: كل ما نقوم به من الأفعال فإنه مكتوبٌ عند الله -عز وجل- معلومٌ عنده، أما بالنسبة لنا فإننا لا نعلم ما كتب عند الله إلا بعد أن يقع، ولكننا مأمورون بأن نسعى إلى فعل الخير، وأن نهرب عن فعل الشر، وليس في هذا إشكالٌ أبداً: نجد الطلبة يتجهون إلى الكلية مثلاً أو إلى الجامعة، فمنهم من يختار كلية الشريعة، ومنهم من يختار كلية أصول الدين، ومنهم من يختار كلية السنة، ومنهم من يختار كلية اللغة، ومنهم من يختار كلية الطب. المهم أن كلاً منهم يختار شيئاً، ولا يرى أن أحداً يكرهه على هذا الاختيار، كيف نقول: مسير ومخير؟ لو كان الإنسان مجبراً على عمله لفاتت الحكمة من الشرائع، ولكان تعذيب الإنسان على معصيته ظلماً، والله -عز وجل- منزهٌ عن الظلم بلا شك، فالإنسان يفعل باختياره بلا شك، لكن إذا فعل فإنه يجب عليه أن يؤمن بأن هذا الشيء مقدر عليه من قبل، لكنه لم يعلم بأنه مقدر إلا بعد وقوعه. ولهذا لما قال النبي-صلى الله عليه وسلم-: «ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار» قالوا: يا رسول الله، أفلا ندع العمل ونتكل على الكتاب؟ قال: «اعملوا» فأثبت لهم عملاً مراداً «فكلٌ ميسرٌ لما خلق له» : أما أهل السعادة، فييسرون لعمل أهل السعادة وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة، ثم قرأ قوله تعالى: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى* وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى* وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى* وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى﴾[الليل: 5-10] فالصواب مع أخيك أن الإنسان مسيرٌ مخير، ومعنى مخير: أن له الاختيار فيما يفعل ويذر، لكن هذا الذي اختاره أمرٌ مكتوبٌ عند الله، وهو لا يعلم ما كتبه الله عليه إلا بعد أن يقع، فيعرف أن هذا مكتوب، وإذا ترك الشيء علم أنه ليس بمكتوب.
المصدر:
الشيخ ابن عثيمين من فتاوى نور على الدرب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟