الجمعة 18 شوّال 1445 هـ

تاريخ النشر : 23-03-2020

احتجاج آدم على موسى -عليهما السلام- بالقدر

الجواب
هذا ليس احتجاجًا بالقضاء والقدر على فعل العبد ومعصية العبد، لكنه احتجاج بالقدر على المصيبة الناتجة من فعله، فهو من باب الاحتجاج بالقدر على المصائب لا على المعائب، ولهذا قال: «خيبتنا وأخرجتنا، ونفسك من الجنة» ولم يقل: عصيت ربك فأخرجت من الجنة.
فاحتج آدم بالقدر على الخروج من الجنة الذي يعتبره مصيبة، والاحتجاج بالقدر على المصائب لا بأس به، أرأيت لو أنك سافرت سفرًا وحصل لك حادث، وقال لك إنسان: لماذا تسافر لو أنك بقيت في بيتك ما حصل لك شيء.
فستجيبه: بأن هذا قضاء الله وقدره، أنا ما خرجت لأجل أن أصاب بالحادث، وإنما خرجت لمصلحة، فأصبت بالحادث، كذلك آدم عليه الصلاة والسلام، هل عصى الله لأجل أن يخرجه من الجنة؟
لا. فالمصيبة إذًا التي حصلت له مجرد قضاء وقدر، وحينئذ يكون احتجاجه بالقدر على المصيبة الحاصلة احتجاجًا صحيحًا، ولهذا قال النبي،-صلى الله عليه وسلم-: «حج آدم موسى، حج آدم موسى». وفي رواية للإمام أحمد: «فحجه آدم» يعني غلبه في الحجة.
مثال آخر: رجل أصاب ذنبًا وندم على هذا الذنب وتاب منه، وجاء رجل من إخوانه يقول: له يا فلان كيف يقع منك هذا الشيء فقال: هذا قضاء الله وقدره. فهل يصح احتجاجه هذا أو لا؟
نعم يصح لأنه تاب، فهو لم يحتج بالقدر ليمضي في معصيته، لكنه نادم ومتأسف، ونظير ذلك «أن النبي-صلى الله عليه وسلم- دخل ليلة على علي بن أبي طالب وفاطمة -رضي الله عنهما-فقال: «ألا تصليان؟» فقال علي -رضي الله عنه-: يا رسول الله إن أنفسنا بيد الله، فإن شاء الله أن يبعثنا بعثنا فانصرف النبي-صلى الله عليه وسلم- يضرب على فخذه وهو يقول: ﴿وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا﴾[الكهف: 54] فالرسول-صلى الله عليه وسلم- لم يقبل حجته، وبين أن هذا من الجدل؛ لأن الرسول-صلى الله عليه وسلم- يعلم أن الأنفس بيد الله، لكن يريد أن يكون الإنسان حازمًا فيحرص على أن يقوم ويصلي.
على كل حال تبين لنا أن الاحتجاج بالقدر على المعصية بعد التوبة منها جائز، وأما الاحتجاج بالقدر على المعصية تبريرًا لموقف الإنسان واستمرارًا فيها فغير جائز.
المصدر:
مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين (2/106-107)

هل انتفعت بهذه الإجابة؟