الأربعاء 16 شوّال 1445 هـ

تاريخ النشر : 24-03-2020

أحرم بعمرة في شوال من مطار جدة - بناء على فتوى - ثم ذهب إلى المدينة ثم عاد إلى مكة فهل يكون متمتعًا ؟

السؤال
سئل فضيلة الشيخ - رحمه الله تعالى - : رجل يقول: قدمت من خارج المملكة قاصداً العمرة، وقبل وصولي إلى مطار جدة غيرت ملابسي للإحرام في الطائرة، وكان في الطائرة شيخ أعرفه يعتمد عليه في العلم، ولما سألته قال لي: بإمكاننا الإحرام من مطار جدة فتمسكت برأيه وأحرمت من المطار، وبعدما قضيت العمرة ذهبت للمدينة المنورة حيث مكثت هناك شهري شوال وذي القعدة، وسألت بعض من أثق بعلمهم من أصدقائي هل أنا متمتع بهذه الحالة حيث قد وافق إحرامي بالعمرة الأول من شوال، وهل يلزمني دم، إذ قد سمعت وتأكدت من أفواه العلماء أن مطار جدة لا يصح أن يكون ميقاتاً لمن يمر عليه، وأفتاني بأن التمتع قد زال بمغادرة الحرم المكي. مع أنني لم أقصد التمتع عندما أحرمت بالعمرة، وأنه يمكنني الآن أن أحرم بالحج كما يحرم المقيم بالمدينة المنورة فأحرمت بالحج مفرداً، وأما تجاوز الميقات فقال لي: ليس عليك شيء لأنك جاهل وقد اقتديت برأي هذا الشيخ واطمأننت بذلك، وأديت مناسك حجي، ولكن بعض زملائي لا يزالون يشككونني ويناقشوني بأنه كان يلزمني الدم بأحد الأمرين أرجو أن تزيلوا عني هذا الشك بإجابة شافية ونصيحة كافية جزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين وبعد: هذا السؤال يتضمن شيئين:
الشيء الأول: أنك لم تحرم وأنت في الطائرة حتى وصلت إلى جدة.
والشيء الثاني: أنك عندما أحرمت بالعمرة تذكر أنك لم تنو التمتع وأنك سافرت إلى المدينة وأحرمت من ذي الحليفة بالحج.
فأما الأول فاعلم أن من كان في الطائرة وهو يريد الحج أو العمرة فإنه يجب عليه أن يحرم إذا حاذى الميقات ودليل ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : «هن لهن ولمن مر عليهن من غير أهلهن ممن يريد الحج أو العمرة» وقال: عمر- رضي الله عنه - وقد جاءه أهل العراق يقولون له: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقت لأهل نجد قرناً، وإنها جور عن طريقتنا يا أمير المؤمنين. فقال- رضى الله عنه - : «انظروا إلى حذوها من طريقكم» فقوله - رضي الله عنه - : ( انظروا إلى حذوها ) يدل على أن المحاذاة معتبرة سواء كنت في الأرض وحاذيت الميقات عن يمينك أو شمالك، أو كنت من فوق فحاذيته من فوقه، وتأخيرك الإحرام إلى جدة معناه أنك تجاوزت الميقات بدون إحرام وأنت تريد عمرة، وقد ذكر أهل العلم أن هذا موجب للفدية وهي دم تذبحه في مكة وتوزعه على الفقراء، ولكن ما دمت قد سألت هذا الشيخ، وقد ذكرت أنه قدوة، وأنه ذو علم، وأفتاك بأنه يجوز الإحرام من مطار جدة وغلب على ظنك رجحان قوله على ما تقرر عندك من قبل بأنه يجب عليك الإحرام إذا حاذيت الميقات فإنه لا شيء عليك؛ لأنك أديت ما أوجلا الله عليك في قوله تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾[النحل: 43] ومن سأل من يظنه أهلاً للفتوى فأفتاه فأخطأ فإنما إثمه على من أفتاه، أما هو فلا يلزمه شيء؛ لأنه أتى بما أوجب الله عليه.
وأما الثاني وهو أنك ذكرت أنك لم تنو التمتع وسافرت إلى المدينة وأحرمت بالحج من ذي الحليفة أي من أبيار علي فإنه يجب أن تعلم أن من قدم إلى مكة في أشهر الحج وهو يريد أن يحج فأتى بالعمرة قبل الحج فإنه متمتع؛ لأن هذا هو معنى التمتع فإن الله تعالى يقول: ﴿فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾[البقرة: 196] ومعنى ذلك: أن الإنسان إذا قدم مكة في أشهر الحج وكان يريده فإن المفروض أن يحرم بالحج ويبقى على إحرامه إلى يوم العيد، فإذا أتى بعمرة وتحلل منها صدق عليه أنه تمتع بها- أي بسببها أي العمرة- إلى الحج أي إلى أن أتى وقت الحج، ومعنى تمتع بها أنه تمتع بما أحل الله له، حيث تحلل من عمرته فأصبح حلالاً الحل كله يتمتع بكل محظورات الإحرام وهذا من نعمة الله سبحانه وتعالى أنه خفف عن العبد حتى أباح له أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج ليتحلل منها، ويتمتع بما أحل الله له إلى أن يأتي وقت الحج، وعلى هذا فما دمت قادما من بلادك وأنت تريد الحج وأحرمت بالعمرة في أشهر الحج فأنت متمتع سواء نويت أنك متمتع أم لم تنوه؛ لأن هذا الذي فعلته هو التمتع.
بقي أن يقال: هل سفرك إلى المدينة مسقط للهدي عنك أم لا ؟ هذه المسألة فيها خلاف بين أهل العلم، فمن العلماء من يرى أن الإنسان إذا سافر بين العمرة والحج مسافة قصر انقطع تمتعه وسقط عنه دم التمتع، ولكن هذا القول قول ضعيف؛ لأن هذا الشرط لم يذكره الله تعالى في القرآن، ولم ترد به سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فلا يسقط الدم إذا سافر المتمتع بين العمرة والحج إلا إذا رجع إلى بلده، فإنه إذا رجع إلى بلده انقطع سفره برجوعه إلى بلده وصار منشئاً للحج سفراً جديداً غير سفره الأول، وحينئذ يسقط عنه هدي التمتع لأنه في الواقع أتى بالحج في سفر جديد غير السفر الأول، فهذه الصورة فقط هي التي يسقط بها هدي التمتع؛ لأنه لا يصدق عليه أنه تمتع بالعمرة إلى الحج حيث إنه انقطع حكم السفر في حقه وأنشأ سفراً جديداً لحجه.
المصدر:
مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين(21/299)

هل انتفعت بهذه الإجابة؟