للطائف أن يصلي ركعتي الطواف بأي مكان من الحرم، ولا يلزم أن لا يصليها إلَّا خلف المقام، وإن كان خلف المقام أفضل كما فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- لكن إذا كان المكان مزدحمًا، فإن له أن يصلي الركعتين في أي ناحية من المسجد الحرام، وقد يكون هذا أدعى للخشوع ما دام أنه في محل متسع، ولأنه أيضًا يخفف على الطائفين، والتعاون مطلوب بين الحجاج والمعتمرين في بيت الله الحرام، فإذا تعاونوا وأخلى بعضهم المكان لبعض فيما لا يخل بنسكه فهو أمر مطلوب، ومتفق مع قوله -عز وجل-: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة : 2]، فإن في كثرة الزحام والمدافعة ما يدعو إلى الإثم، أو للحرج، أو إلى ضيق النفس، وقد يضر هذا بالعاجز، أو بالرجل الكبير، أو بالمرأة الحامل، أو بالإنسان المريض الضعيف.
أما الجواب على السؤال الثاني فإنه لابد أن يكون الطواف بكامل البيت العتيق، والحجر ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه من البيت؛ كما جاء في حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «يا عَائِشَةُ لَوْلا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثُو عَهْدٍ يشِرْكِ لَهَدَمْتُ الْكَعْبَةَ فَأَلْزَقْتُهَا بِالْأَرْضِ، وَجَعَلْتُ لها بَابَيْنِ: بَابًا شَرْقِيًّا وَبَابًا غَرْبيًّا، وَزِدْتُ فيها ستَّةَ أذرع من الْحِجْرِ، فإِن قريشًا اقْتَصَرَتْهَا حَيْثُ بَنَتْ الْكَعْبَةَ» [رواه البخاري (126) ومسلم واللفظ له (1333)]، أي: أن قريشًا لما بنت الكعبة أنها قصرت في بنيانه، واختصرت منه، وتركت الحجر وهو من البيت، ثم إن ابن الزبير -رضي الله عنهما- أراد أن يكمل هذا النقص في حال ولايته على الحجاز فبنى الكعبة، وجعلها على قواعد إبراهيم -عليه السلام- ولكن لم يُترك هذا، بل جاء الحجاج ولم يترك عمل ابن الزبير -رضي الله عنهما- كما هو رغم أنه كان موافقًا لما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بل أعاد بناءها كما كانت على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- ولما سئل الإمام مالك بن أنس إمام دار الهجرة عن نقض الكعبة وإعادة بنائها كما بناها ابن الزبير -رضي الله عنهما- وكما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال مالك كلمته المشهورة -رضي الله عنه وأرضاه وأكرم مثواه-: ناشدتك الله يا أمير المؤمنين أن لا تجعل هذا البيت ملعبة للملوك لا يشاء أحد منهم إلا نقض البيت وبناه فتذهب هيبته من صدور الناس. [ابن عبدالبر في التمهيد (10/50)]، فتركت، فرحم الله الإمام مالكًا وأكرم مثواه.
المهم أن من طاف ولو بعض الأشواط من خلال حجر إسماعيل فإن هذا لم يطف بالبيت كاملًا، وإنما طاف بجزء من البيت ولا يستوعب الطواف بالبيت إلَّا من طاف خلف الحجر؛ ولهذا لما طلبت عائشة -رضي الله عنها- من النبي -صلى الله عليه وسلم- أن تدخل الكعبة وتصلي فيها، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لها: «صلي فِي الْحِجْرِ إِذا أَرَدْتِ دُخُولَ البيت، فَإِنَّمَا هو قَطعَةٌ من البَيْتِ» [رواه أبو داود (2028) والترمذي (876) والنسائي (2912) وأحمد (6/92)].
[ثمر الغصون في فتاوى الشيخ صالح بن علي بن غصون (8 /190)].
هل انتفعت بهذه الإجابة؟