لا يجوز رمي الجمار أيام التشريق، يعني أيام الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر قبل الزوال أبدًا؛ لأن النبي كان مقيمًا هذه الأيام بمنى وهو المشرع والشريعة تؤخذ من قوله وفعله -صلوات الله وسلامه عليه- وقد انتظر حتى زالت الشمس، ولم يرم إلَّا بعد الزوال، وقال -صلى الله عليه وسلم- في عدة مواقف في حجته تلك التي هي حجة الوداع والتي قال في خطبته فيها: «لَعَلِّي لا أَلْقَاكُمْ بَعْدَ عَامِي هذا» [رواه الترمذي (886)، والنسائي في الكبرى (4002)، وابن ماجه (3023) وأحمد (3/367)، من حديث جابر -رضي الله عنه-]، وفعلًا لم يلقهم بـعـد عـامـه -صلوات الله وسلامه عليه- بل انتقل إلى الرفيق الأعلى، وكان يقول في كل موقف: «لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ فَإِنِّي لا أَدْرِي لَعَلِّي لا أَحُجُ بَعْدَ حَجَّتي هذه» [رواه مسلم (1297) من حديث جابر -رضي الله عنه-].
فعلم من هذا أنه لو كان الرمي مشروعًا أو جائزًا أو مجزيًا قبل الزوال لفعله النبي -صلى الله عليه وسلم- ومعلوم قطعًا أنه -صلوات الله وسلامه عليه- بالمؤمنين رؤوف رحيم، وأنه: «ما خير بين أَمْرَيْنِ قَط إلا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا ما لم يَكُنْ إِثْمًا، فان كان إِثْمًا كَان أَبْعَدَ النَّاسِ منه» [رواه البخاري (3560) ومسلم (2327) من حديث عائشة -رضي الله عنها-]، وأنه كان أحرص الخلق على الرفق بأمته، وعلى أن لا يعنتهم، وألَّا يفعل شيئًا من شأنه أن يشق عليهم، ولذا جاء عنه -صلوات الله وسلامه عليه- في قيام رمضان أنه كان يُصَلِّي من اللَّيْلِ فِي حُجْرَتِهِ وَجَدَارُ الْحُجْرَةِ قصير، فَرَأَى الناس شخص النبي -صلى الله عليه وسلم- فَقَامَ أُنَاسٌ يُصَلُّونَ بِصَلَاتِهِ، فَأَصْبَحُوا فَتَحَدَّثُوا بِذَلِكَ، فَقَامَ اللَّيْلَةَ الثَّانِيَةَ، فَقَامَ معه أُنَاسٌ يُصَلُّونَ بِصَلَاتِهِ، صَنَعُوا ذلك لَيْلَتَيْنِ أو ثلاثًا، حتى إذا كان بَعْدَ ذلك جَلَسَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلم يَخْرُجُ، فلما أَصْبَحَ ذَكَرَ ذلك الناس، فقال: «إني خَشِيتُ أَنْ تُكتَبَ عَلَيْكُمْ صَلاةُ اللَّيْلِ» [رواه البخاري (729)].
فهو -عليه الصلاة والسلام- في حجة الوداع لم يرم إلا بعد الزوال -وهو الرؤوف الرحيم بأمته- فالرمي قبل الزوال لا يجزئ ولا يجوز، وإنما يرمي الإنسان بعد الزوال إلى غروب الشمس، وهذا الوقت المفضل، فإن ضاق الوقت أو حصل مشقة فليرم بالليل، أي: يرمي لليوم الحادي عشر ليلة الثاني عشر وهكذا.
[ثمر الغصون في فتاوى الشيخ صالح بن علي بن غصون (8 /254)].
هل انتفعت بهذه الإجابة؟