التحليق المعروف الذي أمر به بعد أداء النسك -العمرة أو الحج- وجعل أفضل من التقصير، وجاء في قول الله -عز وجل-: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} [الفتح: 27]، فقدم التحليق لفضله؛ جاء في الحديث عَنْ عبد الله بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنها- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قال: «اللَّهُمَّ ارْحَمِ الْمُحَلِّقِينَ قَالُوا: وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: اللَّهُمَّ ارْحَم الْمُحَلِّقِينَ. قَالُوا: وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: وَالْمُقَصِّرِينَ» [رواه البخاري (1727)] حقيقة المعروفة في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- هو الحلق بالحديدة بالموسى المعروف بحيث إنه يستأصل الشعر من أصله؛ أما الماكينة فهي تختلف درجاتها، منها يسمون هذا وجه خمسة، وستة وثلاثة. إلخ، ما كان منها أقصر كان أقرب إلى الحلق؛ لأن المعنى في التعبد بحلق الشعر وإزالته هو أن يُزال الشعر الذي هو مظهر من مظاهر الجمال عند العرب، العرب تتجمل بالشعر في الرجال، والنبي -صلى الله عليه وسلم- كان له شعر وفرة، وربما كانت له غدائر أربع يجعل ثنتين عن يمينه، وثنتين عن يساره من خلفه، ونحو ذلك مما جاء في وصف العرب؛ والنبي -صلى الله عليه وسلم- أمر بإكرام الشعر كما في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «مَنْ كَانَ لَهُ شَعْرٌ، فَلْيُكْرِمْهُ» [رواه أبو داود (4163)]، والعناية به مظهر من مظاهر الجمال، هذا له صلة أيضًا بالديات فيما إذا جنى جناية على شعره، ثم لم يعد مما هو معروف، المقصود أنه مظهر من مظاهر الجمال، فلهذا وضع الشعر تواضعًا لله ورغبة فيما عنده بعد أداء النسك الذي يجمعه ترك أنواع الترف والبعد عن الركون لملذات الأرض والقرب من الله -عز وجل- هذا كلما كان أبلغ كان أفضل.
فإذًا، الحلق هو أفضله؛ لأن فيه المبالغة في ترك التزين بالشعر، فالحلق بالماكينة هو كل ما كان أقرب إلى الحلق بالموسى فهو أفضل، وكلما كان أقل فهو يداني التقصير، فحقيقة التقصير عند العرب في الزمن الأول هو أن يؤخذ من جميع الشعر من جميع جهاته، يؤخذ ويقصر الشعر، وإذا كان له غدائر وكان شعره من خلف يمكن جمعه، فيؤخذ بما لا يقل عما ما يلف على اليد، يعني: مثل المرأة في أقله إذا كان يجمع المقصود أن الماكينة هذه تختلف، فكلما كان العبد أبعد عن إبقاء الشعر -يعني: كان أخذه للشعر أكثر- كلما كان أفضل. [شرح الطحاوية].
[الأجوبة والبحوث والمدارسات للشيخ صالح آل الشيخ (4 /247)].
هل انتفعت بهذه الإجابة؟