الأرض إذا ملكها المسلم بفعله بنية التجارة، ثم أعدها للبيع فإنه حينئذٍ فيها الزكاة، فتزكى زكاة عروض تجارة، تُقوّم بعد حول من ملكها ملك تجارة وإعدادها للبيع وتزكى قيمتها إذا كانت عنده، وإذا لم تكن القيمة -يعني الزكاة- عنده، يعني: يمكنه أن يخرج مما عنده، فإنه ينتظر حتى يبيعها، ثم يخرج زكاتها، والأصل في ذلك عند العلماء حديث سَمُرَةَ ابن جندب -رضي الله عنه- قال: «أَمَّا بَعْدُ فإن رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَان يَأْمُرُنَا أَنْ نُخْرِجَ الصَّدَقَةَ من الذي نُعِدُّ لِلْبَيْعِ» [رواه أبو داود (1562)].
وهذا الحديث رواه أبو داود، وإسناده فيه مجاهيل، ولكن قال بعض أهل العلم: إن إسناده مقارَب أو مقارِب، بفتح الراء أو كسرها؛ وهذا لأجل أنها نسخة رويت بها، روي بها عدد من الأحاديث، وليس حديثًا واحدًا، والنسخ ربما اغتفر فيها العلماء على اعتبار أنها وجادة، تتناقل بالإسناد مالا يغتفر في التحديث، والصحيح أن إسناده ضعيف، ولكنه مأخوذ به لدلالة عددٍ من الأحاديث على زكاة عروض التجارة، منها أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «وَفِي الْبَزِّ صَدَقَتُهُ» [رواه الدارقطني في سننه2/100، والبيهقي في سننه4/147]؛ والبز هو القماش الذي يبيعه التاجر، ومنها ما رواه البخاري في صحيحه وغيره لما منع ابن جميل، وخالد، والعباس الزكاة؛ كما ورد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: «أَمَرَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- بِالصَّدَقَةِ، فَقِيلَ: مَنَعَ ابْنُ جَمِيلِ وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، فَقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: مَا يَنْقِمُ ابْنُ جَمِيلَ إِلا أَنَّهُ كَانَ فَقِيرًا فَأَغْنَاهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَأَمَّا خَالِدٌ فَإِنَّكُمْ تَظْلِمُونَ خَالِدًا قَدِ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْتُدَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَأَمَّا الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَعَمُ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَهِيَ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ، وَمِثْلُهَا مَعَهَا» [رواه البخاري (1468)]؛ لأنه تقدم بصدقة سنتين .
والشاهد منه على زكاة عروض التجارة قوله في شأن خالد -رضي الله عنه- أنه احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْتُدَهُ، وهم نقموا على خالد أنه لم يخرج الصدقة من الأسياف والأدرع، والنبي -صلى الله عليه وسلم- اعتذر له بأن زكاة عروض التجارة ليست بواجبة، ولكن بأنه أوقفها، وإذا كان أوقفها، فقد خرجت من ملكه، فحينئذ تكون ملكًا للمسلمين أو للمجاهدين، فحينئذ لا زكاة فيها.
فالصحيح الذي عليه جمهور العلماء للأدلة التي ذكرت، وللأصول العامة أن عروض التجارة فيها الزكاة بشرطين:
الشرط الأول: أن يملكها بفعله.
الشرط الثاني: أن ينوي بها التجارة من حين ملكه إياها، ولعلماء الفقه تفاصيل في إذا حوله، يعني: من نية التجارة إلى نية السكنى، ثم عاد وما شابه ذلك، لكن فيما ذكرنا ما هو كافٍ في هذا المقصود.
أما الأرض إذا ملكها ليبني عليها عمارة أو مسكنًا؛ عمارة للتأجير أو ليسكن فيها، أو بنى له بيتًا ليسكنه، أو ليؤجره، هذه لا زكاة فيها؛ الزكاة أن ينوي بها التجارة في نفسها، يعني: عروض التجارة، ينوي بها الربح، ما معنى التجارة؟ معناها الربح، يعني: أنه يشتريها ليطلب بها الزيادة هذا داخل في أصل المال أنه مال قابل للنماء إلى آخره، ومن أهل العلم من يقولون بزكاة عروض التجارة، من يقول: لا تجب زكاة العروض إلَّا في الأموال المدارة؛ وهو قول الإمام مالك بن أنس -رضي الله عنه- وهو مذهب المالكية، فيجعلون الأموال الجامدة غير المتحركة لا زكاة فيها، وأما الزكاة في حق من يملك الأموال المدارة، بمعنى تاجر عقار يبيع ويشتري، تاجر أسهم يبيع ويشتري، واحد عنده محل دائمًا يغيَّر، يدير المال، فهذا هو الذي يقدره في وقت من السنة، ويزكيه؛ لأنه مدير وليس كل أحد يعتبر مديرًا عندهم، لكن ظاهر الأدلة أن عروض التجارة تجب إذا كانت للتجارة، سواء أكان مديرًا ، أم لم يكن مديرًا.
وهذا له ارتباط بأساس المال؛ لأن هذا المال الذي اشترى به هذه الأرض هو قابل للنماء، فشراؤه للأرض هذه للتجارة، أو عمارة للتجارة، أو لشيء للتجارة، فهذه يطلب فيها النماء، واستمرار النماء، وما كان كذلك، فهو داخل تحت الأصل في وجوب الزكاة في الأموال التي تقبل النماء، وخرج من نحو قوله -صلى الله عليه وسلم-: «ليْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي فَرَسِهِ وَغُلَامِهِ صَدَقَةٌ» [رواه البخاري 1463 من حديث أبي هريرة رضي الله عنه]؛ لأنه ليس معدّا للنماء والله أعلم. [شرح الطحاوية].
[الأجوبة والبحوث والمدارسات للشيخ صالح آل الشيخ (3 /423-425)].
هل انتفعت بهذه الإجابة؟