هذا رحمة من الله، وأيضًا رحمة ممن بعث رحمة للعالمين، {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107] صلوات الله وسلامه عليه، والنبي -صلى الله عليه وسلم- كما هو معروف جاء بالشريعة الكاملة وهو كما قال الله عنه: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمُ} [التوبة: ۱۲۸]، يشق عليه الأمر الذي يعنتنا، أو يتعبنا، أو يرهق هذه الأمة -صلوات الله وسلامه عليه- فما من خير إلا وأرشد إليه، وما من أمر فيه تعب أو مشقة إلا وجنبه الأمة، ولهذا أرشد النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى أن يبكر الصائم في الإفطار؛ لأن النفوس مجبولة على حب الإفطار وتتطلع إليه بسرعة كما في الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: «للصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا إِذا أَفْطَرَ فَرِحَ، وإذا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ» [رواه البخاري (۱۹۰٤)، ومسلم (١١٥١) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-].
وكذلك أرشد الصائم إلى أن يؤخر السحور، لما في ذلك من مصالح عديدة، منها أن القيام آخر الليل فيه خير وفيه صلاة، وفيه ذكر واستغفار، وذكر الله آخر الليل له مكانة ومقام عظيم؛ ولهذا قال الله -عز وجل- عن أهل قيام الليل: {كَانُواْ قَلِيلاً مِّنَ الَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات: ۱۷–۱۸] ولما طلب أولاد يعقوب من أبيهم عليه الصلاة والسلام أن يستغفر لهم {قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبي}[يوسف: ۱۹۸]، يعني : أخر الاستغفار لهم إلى السحر، كما قال أهل العلم.
ومن الفوائد أيضًا أن الإنسان إذا قام للسحور يؤدي صلاة الفجر بوقتها ولا ينام عنها.
ومن الفوائد أنه كلما تأخر الإنسان في السحور كان أقوى له طيلة نهاره؛ لأنه أكل في آخر الليل وأخذ كفايته من الطعام، وبذلك سيظل طيلة اليوم وهو قوي نشيط، وفي هذا أيضًا عون للإنسان على ما يزاوله من أعمال؛ ولهذا في الحديث الصحيح: «تَسَحَّرُوا فإن في السَّحُورِ بَرَكَةً» [رواه البخاري (۱۹۲۳)، ومسلم (۱۰۹۵) من حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه-]، وقال: «عَلَيْكُمْ بالسَّحُور فإنه الغِذاءُ الْمُبَارَكُ» [أخرجه أحمد (۱۳۲/٤)، والطبراني في الكبير واللفظ له (٦٤١) من حديث المِقْدَام بن معدي كرب -رضي الله عنه-]، وأما أن الإنسان يأكل قبل أن ينام ثم ينام فهذا ليس بطيب، وقد جاء في الحديث: «فَصْلُ مَا بَينَ صِيَامِنَا وَصِيَامٍ أَهْلِ الْكِتَابِ أَكْلَةُ السَّحَرِ» [رواه مسلم (۱۰۹٦) من حديث عمرو بن العاص -رضي الله عنه-]، أي: من كان قبلنا لا يتسحرون بل كانوا يأكلون قبل أن يناموا، فمن اعتاد أن يأكل قبل أن ينام ثم ينام فقد خالف السنة وترك الأفضل، ولم يقبل إرشاد النبي -عليه الصلاة والسلام- الذي هو عين المصلحة في العاجل والآجل في أمر الدين والدنيا.
[ثمر الغصون في فتاوى الشيخ صالح بن علي بن غصون (7 /254)].
هل انتفعت بهذه الإجابة؟