العاقل ما يصدق هذه الأشياء، وكانوا في زمن يمشونها على الناس، لكن الآن بفضل العلم والثقافة صار الناس لا يصدقون هذه الأشياء، إلا إذا كانوا مثلهم، هذا من جهة.
والجهة الثانية: كثير منها صحيحة، وكثير منها كذب، الأشياء التي يدعونها، ما نقول: كلها كذب، لكن كثيرًا منها صحيح، وكثيرًا منها كذب، فالواجب على طالب العلم في مثل هذه المسائل يقوم مقام النبوة، يعني في وراثة العلم النبوي، وهذه أعظم منزلة، أن يكون وارثا لمحمد -صلى الله عليه وسلم- وارثًا لسنته: «إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ، وَإِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَما، وإِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظِّ وَافِرِ» [رواه أبو داود (٣٦٤١)، والترمذي (٢٦٨٢) وقال: لا نعرف هذا الحديث إلا من حديث عاصم بن رجاء بن حيوة وليس هو عندي بمتصل. ثم أورد له إسنادًا، وقال هذا أصح. وابن ماجه (۲۲۳)، وابن حبان (۱/۲۸۹)، والبيهقي في شعب الإيمان (2/262) من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه]، فهؤلاء تتلو عليهم السنة، وخاصة كتب شيخ الإسلام ابن تيمية؛ لأنه عاش في هذه البلاد، ويعرف أحوالهم، سواء كان في العراق أو الشام أو مصر، كلها زارها شيخ الإسلام وعرفها، وعرف أحوالها، فترى الكتب تلخص الشبهات التي يدعيها القوم، وترد عليهم فيها، وتناظر أفرادًا منهم، تقيم الحجة عليهم، وهذه أمور بينة، والحمد لله.
أيضًا في المناظرات التي حصلت، هناك مناظرات مطبوعة مثلًا بين سني ورفاعي، يعني الطائفة الرفاعية الأحمدية، وبين سلفي وقادري شاذلي، الكتب التي فيها نقد لطرق الصوفية، نقد للرفاعية، نقد للشاذلية وأحوالهم، وما فيها من صواب، وما فيها من خطأ، هذه نشرها فيهم وترسيخ المفاهيم أو الأصول السلفية فيهم، هذه كلها من أعظم ما يتقرب به العبد إلى ربه عز وجل.
ولا شك أن زماننا هذا زمن جهاد، لا ندري ماذا نواجه لكن الواحد يجب عليه أن يعمل ما في وسعه، والأمر لله -عز وجل- من قبل ومن بعد، ما نستطيع أن نواجه هذا كله من جميع الجهات الأعداء؛ المشركون، الكفار بأنواعهم المنافقون رؤوس الضلال بأنواعهم من أصحاب المخالفة للسنة في طوائف كثيرة، الغلو، البدع، الجفاء في الناس، أصحاب الشهوات، يعني المسألة كبيرة جدًا، ولا يجوز لنا أن نقول اتسع الخرق على الراقع، ولا أن الناس لا يصلحون هذا لا يجوز؛ لأن من قال: «هَلَكَ النَّاسُ، فَهُو أَهْلَكُهُم» [رواه مسلم (2623)]، وهو سبب هلاكهم، ما يجوز أن نقول هلك الناس، فسد الناس، لم يعد هناك صلاح، لا تزال طائفة من أمة محمد على الحق ظاهرين إلى قيام الساعة. نسأل الله -عز وجل- أن يجعلنا منهم، لكن المسألة تحتاج إلى جهاد، الواحد لا يحقر من المعروف شيئًا.
بالكلمة أولًا، تتعلم العلم، به تصبح عالمًا، مجاهدًا، طالب علم بما عندك. فالعلماء يختلفون درجات ومراتب، لكن كل ينفع بما عنده، الواحد إذا تعلم، علم، وأرشد، وبين، وأمر بالمعروف، ونهى عن المنكر في أي مكان بالطرق الشرعية ، والزمن إذا كان زمن جهاد، فلا يعني أن يستخفنا الذين لا يوقنون؛ لأن الله عز وجل قال: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ} [الروم : 60] الذين لا يوقنون بأصنافهم من كفرة ومشركين ومبتدعين ومنافقين ما يستخف وارث الأنبياء، ما يستخفه في أقواله ولا في تصرفاته، ولا في أفعاله، بل يسير على نهج محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى ما قام عليه الدليل، ولو صار ما صار، الله خلق الخلق، واقتضت حكمته أن تكون هذه الأشياء، وهذا الابتلاء، هو الرب جل جلاله، ما لنا في ذلك حيلة، هو يخلق ما يشاء، ويفعل ما يريد سبحانه وتعالى، لكن ابتلي العباد بهذه الأشياء، فيجب علينا أن نجاهد، وأول سلاح في أيدينا الآن هو العلم، ولذلك أكثر ما نحرص عليه العلم؛ لأنه هو الآن وسيلة الجهاد، هل هناك جهاد الآن بلا علم؟! جهاد السيف غير موجود، أمر بالمعروف ونهي عن المنكر، بماذا؟ جهاد بأي شيء؟ ما في عندنا جهاد الآن إلا بالقرآن: {فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا} [الفرقان: 52] إذا الوسيلة العلم، نتعلم، ونجاهد، ونعلم، وندعو، ونصابر، وفعل هذا لا يستخفنا، ضل الناس أو أظلمت الأرض، هذا لا يستخفنا، ولا يجعلنا نستعجل أشياء، ولا يجعلنا نتكلم بأشياء غير مشروعة، أو نندفع بعواطف غير موزونة بوزن الشرع، إنما نسير على وفق الهدى النبوي.
الله -عز وجل- هو الذي خلق الخلق، واقتضت حكمته أن تحدث هذه الأشياء العجيبة والمنكرة، ابتلانا بذلك، وأوجب علينا الجهاد، وفي هذا كل بحسب حاله، ويجب علينا أن نسعى في هذا، ولكن إصلاح الناس، تغير بحسب الأحوال هذا: {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [البقرة: 272] لكن لا تقصر، ما نقول هذا الأمر لله، رضينا بما حصل، ولا نعمل شيئا، هذا فعل الذين لا يعلمون معنى التوكل، فعل العجزة.
وفعل المؤمن أن يؤمن بحكمة الله وبقدره، ويرضى بقضائه، ولكن الأمور المنكرة يجب إنكارها، ويجب جهادها حسب الطريقة الشرعية وهذه الآية يجب ألا تغيب عن بال أحد منا: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ} [الروم: 60] أوجب الصبر على الطاعة، والصبر عن المعصية، والصبر على أقدار الله المؤلمة، المصائب، وهذه المصيبة التي نحن فيها، والصبر يقتضي ألا يسخط القلب، الصبر حبس القلب عن التسخط، وحبس اللسان عن التشكي، فالذي يشتكي، يشتكي في المصائب دائما - هذا قدر من أقدار الله - هذا يشتكي دائما، ما صبر.
الصبر يقتضي حبس اللسان عن التشكي، وحبس القلب عن التسخط، وحبس الجوارح عن أن تعمل بغير طاعة الله، يعني الواحد فعل أمورًا منكرة من خروج أو من وسائل خروج، هذا ما صبر، الله أمر بالصبر، تصبر على الطاعة، وتصبر عن المعصية، وتصبر على المصيبة، يجب علينا أن نصبر {إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌ}، وعد الله بإعزاز دينه، ورفع كلمته، هذا حق وحاصل لا محالة، لكن يجب علينا الصبر، ثم قال: {وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ} [الروم: 60] الذين لا يوقنون، لا يستخفوك؛ لأنهم قد يعملون أشياء يستخفون الناس، يستخفون أهل العلم، يستخفون الدعاة، يستخفون الصالحين، يستخفون الشباب؛ حتى يعملوا أشياء ثم يضرونهم بأشياء، ثم يصدون الناس عن الدين، وهذا أكثر ما يحصل من أمور سببت المفاسد من جراء عدم الامتثال لما جاء في الشريعة، ولو علم الناس، وقبلوا كلام أهل العلم وتصبيرهم وحثهم، لكان خيرًا، لكن من طبيعة الشباب الملل، يريد كل شيء يصلح، ثم بعد ذلك ينتبه، حسن وبعد ذلك ما يصلح هذا: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَق} اصبر، تعلم، جاهد، فنجاهدهم بالقرآن والسنة، جهاد، ودعوة، وتحذير للناس، وتأليف، ونشر، وجمع المال في سبيل طبع المؤلفات ومضاداتهم، إلى آخره.
وقت الجهاد بالسيف إذا قام الإمام وأذنوا به، وصار هناك إمكان للمؤمنين، صار وقت جهاد، وأما إذا ما صار وقت جهاد بالسيف، فهو جهاد بالعلم، والمسألة هذه كبيرة، لكن تحتاج إلى تأمل وسؤال من الله عز وجل أن يصبر العبد فيها بالحق.
اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، اهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك؛ إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم. [شرح الفرقان].
[الأجوبة والبحوث والمدارسات للشيخ صالح آل الشيخ (2 /41-45)]
هل انتفعت بهذه الإجابة؟