أقول: إنّ هذا
الجهل الّذي حصل من هذا المريض أمر وارد، وما أكثر المرضى الذين يجهلون أحكام
دينهم في طهارتهم ودينهم، ولهذا كان واجبا على المريض أن يسأل إذا رأى من نفسه أنه
لم يقم بالطهارة والصّلاة على الوجه المعتاد، هل يجوز، أو لا يجوز، وأنا الآن ألخص
ذلك لأهمّيّته، فنقول: يجب على المريض أوّلا الطهارة، فيتطهّر بالماء، فإن لم
يستطع بأن كان الماء يضرّه في مرضه، أو يؤخّر برءه؛ فإنّه يتطهّر بالتيمم، فإن لم
يتمكّن من ذلك؛ فإنّه يصلّي على حسب حاله بدون ماء ولا تيمم.
أمّا بالنسبة للصلاة
فإنّه يجب عليه أن يؤدّيها كاملة بأركانها وشروطها وواجباتها؛ لقول الله تعالى:
{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: ١٦]، وقول النبي -صلى الله عليه
وسلم- لعمران بن حصين: «صلّ قائما، فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنب»،
فنقول للمريض: صلّ قائما، وتركّع، فإن عجزت عن القيام فصلّ قاعدا، وأومئ في
الركوع، واسجد على الأرض، فإن عجزت عن السجود فأومئ، فإن عجزت عن الحركة بالرأس
فإنّك تشير بالعين. وأمّا قول العامّة: إنّ الإنسان يصلّي بإصبعه، يرفع الإصبع
قائما، وفي الركوع يثنيه قليلا، فإذا سجد يضمّه إلى راحته لأجل أن يمثل الإصبع دور
المصلّي قائما وراكعا وساجدا؛ فهذا لا أعلم له دليلا، لا من كتاب الله، ولا من
سنّة الرسول -عليه الصلاة والسلام- ولا من كلام أهل العلم. فإن عجز الإنسان عن
الإشارة بالعين وعن الحركة بالرأس؛ فإنّه ينوي بقلبه، فينوي أنّه دخل في صلاته
يكبّر ويقرأ القرآن، وينوي أنّه ركع فيكبّر، وينوي أنّه رفع فيسمّع، وهكذا.
ولو قال قائل: الرسول
-عليه الصلاة والسلام- قال لعمران بن حصين: «صلّ قائما، فإن لم تستطع فقاعدا، فإن
لم تستطع فعلى جنب»، ولم يقل سوى ذلك، فما هو الدليل على ما قلته بأنّه يصلّي
بقلبه، مع النّصح في الأقوال؟ نقول: الدليل على ذلك قوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ
مَا اسْتَطَعْتُمْ}، وهذا باستطاعته أن يقول، وباستطاعته أن ينوي، فإن كان لا
يستطيع ولا الكلام، لكن مع حضور عقله فإنّه ينوي بقلبه الأقوال والأفعال أيضا، ولا
تسقط عنه الصّلاة ما دام العقل ثابتا.
فإن قال المريض: أنا
ثوبي نجس، وفراشي نجس، وبدني نجس، كيف أصلّي؟ نقول: طهّر ما استطعت تطهيره، وما لم تستطع فصلّ ولو
كنت على هذه الحال، قال الله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا
وُسْعَهَا} [البقرة: ٢٨٦].
وتأخير الصّلاة حرام، ولا يجوز بأيّ حال من الأحوال، فهذا المريض الّذي ذكر أنّه ترك الصلوات السابقة جاهلا نرجو الله تعالى أن يعفو عنه، ويجب عليه الآن فورا أن يقضي الصلوات، ولكن هل يقضي كلّ صلاة مع نظيرتها؟ أو يقضيها تباعا حتّى تنتهي؟ يقضيها تباعا حتّى تنتهي.
اطلع أيضًا على : كيفية الصلاة للحامل
[دروس وفتاوى من الحرمين الشريفين للشيخ ابن
عثيمين ( 14 /40)]
هل انتفعت بهذه الإجابة؟