الجمعة 26 شوّال 1446 هـ

تاريخ النشر : 28-07-2024

كم مدة قصر الصلاة للمسافر

الجواب

نعم، هذا صحيح، نحن نرى أن السّفر لا يتقيّد بمدّة، وأن الإنسان ما دام مسافرا عن بلده لعمل متى انتهى رجع إلى بلده فإنّه مسافر، سواء حدّد المدة أمْ لم يحدّدها، وقد نصر ذلك القول شيخ الإسلام ابن تيميّة رحمه اللّه في (الفتاوي) في باب صلاة الجمعة، وقال: «إنّ تقسيم النّاس إلى مستوطن ومقيم ومسافر تقسيم لا أصل له، فالنّاس إما مستوطنّ له أحكام المستوطنين، وإما مسافر له أحكام المسافرين».

وهكذا ابن القيّم رحمه الله في (زاد المعاد) ذكر ذلك، وقال: «إنّه لا دليل على اشتراط أربعة أيام أو على اشتراط دون الأربعة، وأنّ من نوى أكثر من أربعة أيام فإنّه لا يقصر»، قال: إنّه لا دليل على ذلك.

وما ذهب إليه هذان الشّيخان ذهب إليه محمّد رشيد رضا صاحب مجلّة المنار، وكذلك ذهب إليه شيخنا عبد الرحمن ابن سعدي رحمهما اللّه أنه لا دليل على تحديد المدّة بأربعة أيام، وكذلك شيخنا عبد العزيز بن باز أجاب في مجلّة الجامعة الإسلامية بأنّ هذا القول قول قوي تدلّ عليه أحاديث قويّة، لكنّه يرى أن الأحوط الإتمام فيما إذا زادت الإقامة على أربعة أيام، وسمعته أخيرا يفتي بذلك، أي أنّه إذا زادت الإقامة على أربعة أيام فإنّ الإنسان يتمّ.

ولكن من تأمّل الأدلّة وجد أنّه لا دليل لهذا القول؛ لأنّ غاية ما يستدلّون به أنّ الرّسول -صلى الله عليه وسلم- قدم إلى مكّة في اليوم الرابع من ذي الحجّة، وصار يقصر الصّلاة حتّى أتمّ الحج. قالوا: لما قصر في الأربعة الأيام دلّ ذلك على جواز القصر، فما زاد على ذلك فإنّه لا يقصر فيه.
والحقيقة أنّ هذا الحديث دليل على عدم التحديد لمن تأمّله؛ لأنّ قدوم الرّسول -صلى الله عليه وسلم- إلى مكّة في اليوم الرابع من باب الاتفاق، وليس من باب القصد، يعني أنّه وافق أن قدومه في اليوم الرابع، فالرّسول لم يقصد ألا يقدم إلا في اليوم الرابع، وإنما هذا هو الّذي اتفق في سفره، وما وقع اتفاقا فإنّه لا يعتبر تشريعا، ونحن نعلم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعلم أنّ من الحجّاج من يقدم مكّة قبل اليوم الرابع، ومن الحجّاج من يقدم في اليوم الثالث والثّاني والأوّل وفي ذي القعدة، وربما في شوال، ومع هذا لم يقل الرّسول -صلى الله عليه وسلم- لأمّته: من قدم قبل اليوم الرابع فعليه أن يتمّ، فلما لم يقل ذلك مع دعاء الحاجة إليه علم أن الإتمام إذا زادت الأيام عن أربع ليس بواجب، ولهذا ذهب أبو حنيفة رحمه الله إلى أن المدّة خمسة عشر يوما، وذهب ابن عبّاس رضي الله عنهما إلى أن المدّة تسعة عشر يوما.

ولكنّ الصحيح أنّه لا حدّ لها، وأنّ الأيام الّتي وقعت اتفاقا لا تكون دليلا على التحديد، ولهذا بقي عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- في أذربيجان ستّة أشهر يقصر الصّلاة، حبسهم الثلج، ونحن نعلم أن الثّلج لا يمكن أن يذوب خلال أربعة أيام، بل كلّما زادت مدّة الشّتاء ازدادت قوّة الثلج، ونعلم أنّ عبد الله بن عمر يعلم أنّه لن يذوب الثلج إلا في آخر الشتاء.

فالمهم أنّ هذه المسألة فيها خلاف بين العلماء، فالمذاهب الأربعة اختلفت؛ فمذهب الإمام أحمد ومالك أنّه إذا نوى أكثر من أربعة أيام أتمّ، ومن الأربعة يوم الدخول والخروج، ومذهب الشافعي كذلك، إلا أنّه لا يعدّ يومي الدّخول والخروج، ومذهب أبي حنيفة خمسة عشر يوما، والمذاهب فيها أكثر من عشرة مذاهب ذكرها النّوويّ رحمه اللّه في كتاب (شرح المهذّب).

اطلع أيضًا على:- متى يجوز الجمع والقصر للمسافر

المصدر:

[دروس وفتاوى من الحرمين الشريفين للشيخ ابن عثيمين ( 14 /20)]


هل انتفعت بهذه الإجابة؟