الخلاف عند العلماء نوعان: خلاف قوي، وخلاف ضعيف.
الخلاف القوي: ما كان فيه الدليل الذي استدل به كل صاحب قول محتملًا أو له وجه في الاستدلال عليه، مسائل الخلاف القوي الذي اختلف فيه أهل العلم لا إنكار؛ لأن كل واحد منهم له حجته وله قوله الذي استدل عليه، والصحابة -رضي الله عنهم- لم ينكر بعضهم على بعض؛ لأن كل واحد منهم أخذ بقول النبي -صلى الله عليه وسلم- فعندما أرسل الصحابة -رضي الله عنهم- قال لهم: «لا يصلين أحد العصر إلَّا في بني قريظة» [أخرجه البخاري 946، 4119، ومسلم 1770 من حديث ابن عمر رضي الله عنهما]، لما حان وقت صلاة العصر اختلفوا، قالت طائفة: أراد منا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الاستعجال، أن نستعجل.
آخرون قالوا: لا، قوله -صلى الله عليه وسلم- هذا يعني أننا لا نصلي إلا إذا أتينا بني قريظة، فلما صلى بعضهم وبعضهم لم يصل وأخر الصلاة حتى أتى بني قريظة، فلما رجعوا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبروه الخبر، فلم ينكر على أحد منهم؛ لأن الدليل محتمل إذا كان قويًا، فلا إنكار.
من أمثلة الخلاف القوي مثلًا الآن: زكاة الحلي، بعض العلماء يقول: حلي النساء المعدة للبس تزكى، وبعض أهل العلم يقول: لا تزكى، الدليل محتمل، الأدلة فيها نظر، فمن قال: تزكى، فله حجته، ومن قال: لا تزكى فهم أئمة أهل الحديث في الزمن الماضي: مالك والشافعي وأحمد وأبو عبيدة وجماعة، فله حظه من النظر، فإذًا، لا إنكار فيه، إذا ما المرأة تريد أن تزكي أو لا تزكي، ما فيه إنكار أو أمر في هذا الأشياء؛ لأن الخلاف فيها سهل.
تأتي مسائل الخلاف الضعيف، والخلاف الضعيف فيه إنكار، يأتي واحد، ويقول: ربا البنوك –يعني: الفوائد الربوية- جائز، هذه فيه إنكار، صحيح فيها خلاف، لكن الخلاف فيها ضعيف، والخلاف الضعيف لا يمنع من الإنكار، فمن قال بإباحة الفوائد الربوية اليوم ينكر عليه؛ لأنه خلاف ضعيف خالف الحق في المسألة، أو لا دليل واضح يستمسك به على ذلك، وإنما هو تلمسات لمن أباح الفوائد الربوية في هذه المسألة، وجود الخلاف سواء كان قويًا أو ضعيفًا يمنع من التكفير في المخالفة؛ إذ لا تكفير في المسألة العلمية التي ترتكب المنهيات إلا بالاستحلال أو بفعل، يعني: باستحلال أمر مجمع عليه، استحلال معصية كبيرة مجمع على تحريمها، إذا استحل معصية كبيرة مجمعا على تحريمها، فإنه يكفر؛ أما إذا كانت المعصية ليست مجمعًا على تحريمها، فيها خلاف، ولو كان الخلاف ضعيفًا، فلا تكفير، ولكن ثم إنكار، وهذه أصولها مقررة عند أهل العلم في القواعد وفي العقيدة.
طبعًا، مسائل الخلاف غير مسائل الاجتهاد، هذا شيء آخر من مسائل الخلاف مختلف، يعني: الفرق بين مسائل الخلاف والاجتهاد بحث أصولي يحتاج إلى بسط.
[الأجوبة والبحوث والمدارسات للشيخ صالح آل الشيخ (4/ 464-465)].
هل انتفعت بهذه الإجابة؟